هامش مهني

هامش مهني

هامش مهني

 تونس اليوم -

هامش مهني

بقلم : حسن البطل

صدر العدد الأول من «الأيام» يوم عيد الميلاد 1995. هنا يوم من أيام صعبة مرّت على الجريدة خلال الانتفاضة الثانية. ميلاد مجيد لفلسطين والعالم!

هامش مهني

نقز قلبي. ردهات التحرير استحالت مهاجع. طراريح الإسفنج الصناعي في كل قرنة من ردهة التحرير الرئيسة، والثانوية، وحتى ردهة التنضيد والإخراج.

الجريدة اليومية «كائن ليلي» ذو وجه صباحي برّاق. وفي ذلك الصباح نقز قلبي. وحدي كنت «وردية النهار»؛ والأشياء، على طاولات التحرير، وعلى أرضية ردهات التحرير/ المهاجع، ليست في مواضعها المألوفة.

الوجوه المألوفة، بعد عِشرة عمل، كانت غير شكل، لعلّها تشبه وجهي عندما كنت، في بيروت، مسؤولاً مناوباً عن «وردية الليل» في جريدة م.ت.ف اليومية، خلال سنوات الحرب.

مكاتب مجعلكة. طاولات ملأى بكاسات شاي، فناجين قهوة، أكواب من البلاستيك الأبيض.. وجميعها ملأى، ولكن بأعقاب السكائر.

الجريدة كائن ليلي، وبعض محرّريها، مثلي، كائنات نهارية. بين ورديتي الليل والنهار تعمل وردية العمال على تأهيل المكاتب. 

في ذلك الصباح، حيث نقز قلبي، اختلطت أطراف نهار الوقت بآناء الليل.. بذروة أعمال التنظيف.

منذ عامين، تقريباً، صارت أعمال «الأيام» تسير بقوة «البدائل»، الذين يسدون فراغ غياب هذا المحرّر، وذاك المنضّد، أو المخرج الفنّي. مهنة المتاعب طافحة بأوضاع الطوارئ.

تصوّرت نفسي أعود إلى وردية الليل قتيلاً تعباً على وجه الصباح، مرمياً على طُرّاحة من الإسفنج.. لكن، جملتي العصبية لا يدغدغها وسن عابر.. إذا تسلّل شعاع من مصابيح الشارع، عبر نوافذ الردهات العديدة والفسيحة. نسيت كيف ينام البعض في غرف مضاءة.

***
لـ «الأيام» خمسة أيام احتجاب على مدار العام. يومان في عيد الفطر، وثلاثة في عيد الأضحى. وفي هذا العام اختزلت الإدارة الأيام الخمسة إلى أربعة، فقد استقرضت إلى دوام العمل يومين من أيام «عيد الأضحى» الثلاثة.

ثلاثة اجتياحات خلال أقلّ من ثلاثة شهور، أجبرت «الأيام» على الاحتجاب أكثر من مجموع عطلات المؤسسة خلال ثماني سنوات.. وأجبرت الإدارة، بعد اجتياح آخر نيسان ومعظم أيار، على اختزال رواتب العاملين بمقدار النصف.

في الحسابات الإدارية، المهنية المحضة، اعتبروا استقطاع نصف الراتب بمثابة «راتب سلفة». أما في الاجتياح الثالث، الذي قال المجتاحون إنه غير محدد الأمد، فقد كان على إدارة «الأيام» أن تعيد ترتيب ورديات العمل واستنزاف المتطوّعين والبدائل، وأمّا العاملون في قسم التوزيع فعليهم تحمُّل أثقل الأوزار، وهو وزر المحافظة على خطوط الإمداد/ التوزيع القديمة، ولو في حدّها الأدنى، مع مفارقات «لوجستية» عجيبة، مثل وصول الجريدة إلى غزة، وعدم وصولها إلى بيرزيت.
***

الكتابة، المنتظمة بخاصة، ذات عادات معينة، يتألّف نسيجها من عناصر التوقيت (الزمني والنفسي)، ومن أُلفة المكان حيث تكتب، وأُلفة الوجوه.. وأيضاً، عادة تصفُّح الشبكة الإخبارية (الوكالات)، والشبكة المعلوماتية الدولية (الإنترنت).

كلها عادات تتبدّل.. إلاّ عادة الذهاب إلى العمل الصباحي بعد قسط من النوم الليلي.. في غرفة مظلمة تماماً. يكفي أن يضغط أحد ما مفتاح النور، لأفتح عيني بعد ثوانٍ قليلة.

.. لذلك، نقز قلبي، إذ تصوّرت نفسي أكتب مادّتي اليومية، في موعدها اليومي المعتاد، الرابعة ظهراً، وقد اختلطت أطراف النهار بآناء الليل. لا توجد قيلولة النهار لمادة صحافية نهارية.

في العاشرة مساءً، قبل ثلاثة أيام، دهمني فاكس من إدارة التحرير، يطلب، على عجل، مادة العمود لليوم التالي محظور التجوّل، بطريقة ما أوجدتُ ما يسدّ مسدّ النقص.

الناس لا تسأل، أمام الأفران، عن سبب مقنع لغياب الرغيف اليومي. الناس، نفسها، تسأل، إذا صدر عدد الجريدة، رغم حظر التجوّل.. كيف ولماذا صدر؟!

الصحافي جندي، والجندي في المعركة لا يطرح أسئلة زائدة.. لكن الناس تناقلت إشاعة ظالمة، مفادها أن صدور «الأيام» رغم أيام حظر التجول، نتيجة «تنسيق» مع الجانب الإسرائيلي..؟! زملاء غيارى، أو زميلات غيورات.. أو أننا شعب تلوك ألسنته كل شيء؟!

أنا الذي نقز قلبي، بعدما رأيت المكاتب مهاجع، شعرت بوجع زملائي من وردية الليل، الذين يُمسُون ويُصبِحون يومين أو ثلاثة.. وهم يلوبون في مكاتب الجريدة. سألوني أن أدافع عن شرفهم المهني.. كما يسهرون على حروفي!

أفكر، خاصة، بزملائي في قسم التدقيق. معظمهم مُعلِّمو مدارس براتب لا يتعدّى 2100 شيكل، ومثلها راتب من الجريدة.. والمجموع يكاد يسدّ الحدّ الأدنى من تكاليف العيش.. جمع متاعب مهنة التعليم إلى مهنة المتاعب.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هامش مهني هامش مهني



GMT 11:48 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

.. وإن قالوا «كلامَ جرائد»!

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 10:28 2020 الخميس ,17 أيلول / سبتمبر

هذا زمن الامتهان (ات) !

GMT 12:33 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

«باكس أميركانا» !

GMT 08:12 2019 الجمعة ,17 أيار / مايو

إيقاعات رمضانية ـ نكبوية!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 11:30 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

آثار الخلافات الزوجية على سلوك الطفل

GMT 10:30 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمرنا النت والحاج جوجل!

GMT 11:43 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

البوركيني إسماعيل يانجو ينضم لنادي العروبة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia