كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي

كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي

كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي

 تونس اليوم -

كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي

بقلم : حسن البطل

"من باب الخليل في القدس دخلتُ العالم، ومن باب العمود فيها خرجتُ إلى المنفى".. الفنان الفلسطيني المقدسي كمال بلاطة.

 في محبّة القدس ينافسني ثلاثة: الحاخام والقس والشيخ. هل قلتُ ينافسني؟ عفواً! أقصد أنني أنافسهم. وفي محبّة القدس أنافس واحداً هو كمال بلاطة. هل قلتُ "أنافس"؟ عفواً! أقصد أنني لا أنافسه.

في كوخ صديقي الفنّان سمير سلامة، على طرف قرية سان فنسان، جنوب غربي باريس بمائتين وأربعين كيلومتراً، أحببتُ "سرّة العالم" بالطريقة الجمالية الصافية التي يحبّها فيها ابن القدس المنفي عنها: الفنان التشكيلي الفلسطيني المقدسي فلاديمير تماري. لماذا

إنّه مثلي غير معنيٍّ بقدس الحاخام والقس والشيخ، الذين يتنازعون العقار المقدسي وصكّ الملكية. فتاواهم لا ظلّ لها على لوحاته المكرّسة لعشق القدس (12 لوحة)، وفيها ترقص المدينة (هو يرقص مع مدينته) في لعبة ظلٍّ وضوء، لون وهندسة. يعصر عطر المقدّس من الكتب المقدّسة، أو يقطّر الجمالي العمراني من البلاغي المقدّس.. ومن ثم، يستند إلى الشاعر والفيزيائي والفنّان والمؤرّخ الفنّي والمهندس العمراني، ويجعلهم مرجعيته في برهان عشقه مدينته المقدّسة..

12 لوحة هندسية، الخطوط الملوّنة لن تجد فيها القبّة والمئذنة، الشمعدان والصليب والهلال، إنّما تجد فيها، مثلاً، الشاعر الفرنسي، مهندس الصورة البلاغية الجمالية: سان جون بيرس. ماذا قال هذا؟ قال: "سأسكن اسمي: القدس اسمها القدس. هي تسكن اسمها، أو اسمها يسكنها".

ماذا تجد في معرضه الذي طاف العالم، ومرّ مروراً هيّناً في الأرض المقدّسة؟ تجد في لوحاته الذي قاله البصري الفيزيائي الرائد الحسن بن الهيثم. ماذا قال هذا؟ قال: "دون الضوء واللون لا يُدرك منظور بواسطة البصر وحده".

القدس ذات وجه مضيء ووضّاء في لوحات كمال بلاطة. ينكسر اللون على اللون في زوايا حادّة، ولكن اللوحة ترسم وجه المدينة رسماً هارمونياً. ما قاله ابن الهيثم في الفيزياء صاغه "الجنيد" في علم منطق الجمال: "الماء من لون الإناء".

فاتني معرض كمال، في مروره العابر برام الله والقدس، وهكذا أخذتُ أتملّى كاتالوج لوحات فلاديمير الـ 12، وأدقِّق لوحاته على نظريته في "علم الجمال المقدسي"! ماذا قلتُ: "علم جمال مقدسي".. لا فلسفي إغريقي ولا ديالكتيكي ماركسي. بل علم جمال عمراني. لماذا؟

ماذا تجد في ريشة فلاديمير؟ تجد ما قاله غيوم أبولينير. ماذا قال هذا؟ قال: "الهندسة بالنسبة للفنون التشكيلية هي كالنحو بالنسبة لفن الكتابة". ما هذه أبجدية القدس الجمالية، علم الجمال العمراني المقدسي؟ إنّها عبقرية جمالية المربّع العربي ومضاعفاته (النجمة الثمانية). يقول كمال في مقدّمة كاتالوج معرضه: "من وحي سرة القدس". ماذا يقول: "أسرني الشكل ثماني الزوايا الناجم عن مربعين متقاطعين بزاوية 45 درجة.. وسلسلة طائلة لا نهاية لها تنجم عن تقاطعهما". هو، إذاً، رسم القدس في لوحاته تقاطعات لا نهائية مستوحاة من مربعين متقاطعين. 
***

في نصوص أوروبية قروسطية عن قبّة الصخرة أن القدس "سرة الأرض". كيف فسرها الفنان التشكيلي المقدسي في لوحاته وفي مقدمة كتالوجه عن "علم الجمال المقدسي"؟
للشكل المربع زوايا أربع هي جهات الدنيا الأصلية، وتكرارها بزاوية 45 درجة يضيف إليها جهات الدنيا الفرعية. رؤوس المربعين تلامس الدائرة. محيط المربع مساوٍ لمحيط الدائرة.. ومن ثم؟ مَن قال أنّ تربيع الدائرة مهمّة مستحيلة؟ المربعات ترمز للأرض والدائرة ترمز للسماء.. وهكذا تفهمون أنّ القدس "سرة" لقاء الأرضي والسماوي، أو تفهمون هالة السيد المسيح في أيقونة التجلّي.
كنيسة القيامة، كنيسة الصعود، ومسجد قبّة الصخرة بُنِيَت على صخرة عجيبة، وكنيسة الصعود ومسجد القبّة مضلّعة (مربّع داخل مربّع).

القدس تسكن اسمها، وعلم الجمال المقدسي يسكنها، وما على الفنان سوى "تشفيف الشكل" كما يقول فلاديمير.. بلا جدران. بلا أسلاك.. بلا منازعات على عقار "زهرة المدائن" بين الحاخام والقس والشيخ.
لتكن احتفالية مقدسية.. جمالية أيضاً.
***
كنت ضيفاً في كوخ صديقي الأكبر سمير سلامة، خلال أعياد الميلاد ورأس السنة، عام 2008 ـ 2009، لما قرأت كتالوغ المقدسي كمال بلاطة عن لوحات المقدسي فلاديمير تماري؛ ثم كنت وابني وابنتي ضيوفاً في عيد ميلاد سمير، 16 آب 2009.

رحل سمير في يوم ميلاده الـ74، ونشرت ابنتي صورة سمير خلال عيد ميلاده الـ63، يتصدر مائدة إفطار شهي، وعلى المائدة شمعة واحدة بيضاء وكبيرة!
رحل فلاديمير في اليابان، في سنة رحيل سمير في فرنسا، بعد 8 سنوات من عام إصابته بالسرطان، الذي كان سبب رحيل فلاديمير، أيضاً.

***
الدراما، أن "غوغل" وزّعت يوم 16 آب على أصدقاء سمير صورهم معه في يوم ميلاده.. ثم سريعاً، سحبت الصورة بعد نبأ رحيله في اليوم ذاته!
للقدس مكان في لوحات فلاديمير، وكمال.. وسمير. ها أنا أعيد نشر مقالة عن ذلك للمرة الثالثة: الأولى عام 2009 ثم في 23 أيار 2011.

"الذي يرى الأموات لا تعود لديه كلمات ليقولها. إنه يتنحّى جانباً، ويواصل العيش.. كمن خسر".

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأيام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي كمال بلاطة لعلم الجمال المقدسي



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 11:30 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

آثار الخلافات الزوجية على سلوك الطفل

GMT 10:30 2021 السبت ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمرنا النت والحاج جوجل!

GMT 11:43 2018 الجمعة ,08 حزيران / يونيو

البوركيني إسماعيل يانجو ينضم لنادي العروبة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia