والثالثة موضعية ومتنقلة

.. والثالثة؟ موضعية ومتنقلة!

.. والثالثة؟ موضعية ومتنقلة!

 تونس اليوم -

 والثالثة موضعية ومتنقلة

حسن البطل

كان عماد، من مدينة البيرة، فتى نشطاً في الانتفاضة الأولى، مُنع نتيجتها من دخول إسرائيل لفترة سنوات.
صار عماد، بعد أوسلو، سائقاً لمسؤول كبير في وزارة الإعلام، وكان يقول: "علواه لو تعود الانتفاضة"، عندما عادت في انتفاضة ثانية، قال: "هاي مش انتفاضة.. هاي حرب"!
ربما كبر عماد بين الانتفاضتين أو نضج بعد زواجه ووظيفته، لكن تمييزه عن انتفاضة كان نشيطاً فيها وعن "حرب" لم يشارك فيها يطرح سؤالاً: هل نحن مقبلون على انتفاضة ثالثة؟
الانتفاضة مفردة صارت مصطلحاً عالمياً مثل "الفدائيين" متعدد اللغات، حتى بالعبرية للحديث عن الانتفاضة الأولى فالثانية، لكن سبق للفلسطينيين قبلهما أن أطلقوا نعت "انتفاضة.. على هبّات شعبية، مثل هبة العام 1976 في الضفة، بل وأطلقها جناح منشق عن حركة "فتح" على نفسه ـ "فتح الانتفاضة".
وُصفت اضطرابات أول تشرين (أكتوبر) في "فلسطين الغربية ـ إسرائيل" بأنها "هبّة أكتوبر" تمييزاً لها عن "انتفاضة الأقصى" وأسفرت عن مصرع 13 شاباً فلسطينياً، وتشكيل أول لجنة تحقيق إسرائيلية في العلاقة مع فلسطينيي إسرائيل، برئاسة القاضي ثيودور أور، بالتعاون مع حركة "عدالة"، وخرجت بتوصيات عن تعديل وتصحيح علاقة الدولة برعاياها الفلسطينيين.
أيضاً، حتى ثورة وإضراب العام 1936 الطويل (ستة شهور) كانت ذات أثر أبعد من آثار الانتفاضة الأولى والثانية.
الآن. استقر استخدام مفردة "نكبة" الفلسطينية على ما جرى للشعب والبلد في العام 1948، بعد أن تداولوا مفردة "اغتصاب" فلسطين، أو "كارثة" فلسطين.
حتى مفردات ما بعد العام 1965، انطلاقة "فتح" تغيّرت من "العمل الفدائي" إلى "الكفاح المسلح".. والآن "المقاومة"!
إن شرارة بلعين، قبل سبع سنوات، صارت حريقاً متنقلاً شعبياً في مواجهة الاحتلال والاستيطان يطلق عليه تعبير "المقاومة الشعبية السلمية".
احتدم الحريق واتسع نطاقه، وخاصة بعد فشل المفاوضات الأخيرة، بما دفع جهات عديدة، فلسطينية وإسرائيلية، للحديث عن مقدمات انتفاضة ثالثة، تنقل المجابهات المتنقلة إلى مواجهة شاملة، وهذه المرة ضد ثلاث جهات: الجيش، المستوطنين.. وحتى السلطة ذاتها!
تذمرت أقسام من الشعب من العملية السلمية ـ التفاوضية، وزاد تذمرها بعد فشلها المتوقع، وعادت شعبية السلطة إلى الانخفاض بعد ارتفاعها السياسي إثر عضوية فلسطين ـ دولة مراقبة، وبعد اتفاق المصالحة مع حركة "حماس".
موقف رئاسة السلطة من حادثة اختطاف مستوطنين جرّ عليها انتقادات حادة، ربما أكثر حدة من انتقادات إسرائيلية لعدم كفاية الرد والعقاب الجماعي من الجيش.. السلطة تلافت "سور واقي 2".
السلطة تحت ضغط شعبي للانحياز إلى انتفاضة ثالثة، وحكومة إسرائيل تحت ضغط عام من الجناح المتطرف فيها، أي من جناح يؤيد المستوطنين، وهؤلاء باشروا الرد بشكل أعنف من ممارسات "فتيان التلال" وعصابات "شارة ثمن".
لم تنفع مواقف رئيس السلطة في شجب اختطاف المستوطنين ووصفهم بأنهم "بشر مثلنا" سوى في تبريد مواقف بعض أطراف الحكومة الإسرائيلية الذين رأوا أن رئيس السلطة هو "شريك" خلاف أطراف أخرى.
الحديث عن "انتفاضة ثالثة" يذكّر بما قيل عن أن تكرار حادثة معينة بأنه مأساة.. ثم ملهاة، علماً أنه في معين الشعب ابتداع أشكال نضال وكفاح من العمل الفدائي والكفاح المسلح، واختطاف طائرات.. والهبات والانتفاضات، وأيضاً اختطاف جنود ومستوطنين. الآن اشتعلت منطقتان كانتا هادئتين: القدس والجليل والمثلث.
المسألة أن السلطة مع انتفاضة سلمية ـ حجرية .. تراها إسرائيل ارهاباً وليست مع "انتفاضة مسلحة ـ نارية" ستؤدي إلى "تدميرنا" كما قال رئيس السلطة، لكن معظم الشعب يريد رئيس السلطة "قائداً" وليس "رجل دولة" مسؤولاً.
إن انتفاضة موضعية ومتنقلة وشعبية ترهق الطرف الآخر أكثر من انتفاضة عامة ومسلحة، لأن مواجهة سلسلة حرائق صغيرة ترهق رجال الإطفاء أكثر من حريق واحد وكبير!
المسألة أبعد من هذا، لأن العالم وبعض إسرائيل يرى الحل في "الحل بدولتين" وهو اسم كودي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتطورت هذه الرؤية بفعل انتفاضتين ومقاومة سلمية، وايضاً سياسة السلطة الجديدة برئاسة أبو مازن.
العالم، وبعض إسرائيل، يرون أن دولة فلسطينية تحتاج ساسة من عيار "رجل دولة" بينما كان الرئيس المؤسس عرفات يُرى "رجل ثورة" بحيث نجحت مناورة ايهود باراك في إظهاره أمام بعض العالم ومعظم الإسرائيليين أنه "لا شريك".
في المقابل، إسرائيل دولة قوية ومزدهرة، لكن رئيس حكومتها لا يتصرف وفق بُعد نظر سياسي، ولكن بصفته رئيس حكومة ائتلاف تميل لليمين المتطرف والمستوطنين، وليس بصفته "رجل دولة".
في الانتفاضة الثانية أملت حكومة شارون، رغم عنفها ضد الانتفاضة الثانية، على المستوطنين خطوات مثل الانسحاب من غزة، و"الانطواء" من بعض مناطق الضفة، خلافاً لرأيه السابق: لماذا لا يتعايش المستوطنون والمواطنون الفلسطينيون.
الآن، يملي جناح المستوطنين خطواته على حكومة نتنياهو، وعلى معظم الشعب الإسرائيلي، رغم احتكاكات موضعية بين هذا الجناح وجيش الاحتلال.
جيش الاحتلال سيميل إلى التحالف مع المستوطنين بسلاحه، وهم، أيضاً، مسلحون في غالبيتهم، بينما الشعب الفلسطيني أعزل، وأجهزته الأمنية أضعف بكثير من الجيش الإسرائيلي. توازن القوى لصالح إسرائيل وتوازن الإرادات لصالح الفلسطينيين.
المسألة أن بن ـ غوريون رأى "أوم شموم" في الأمم المتحدة (أي منظمة فارغة) وهذا ليس صحيحاً، وأن "ليس مهماً ما يقوله العالم، بل ما يفعله اليهود" وهذا ليس صحيحاً، أيضاً.
لكن مشكلة أبو مازن تبدو في تقديم ما يقوله العالم عن "رجل دولة" فلسطيني شجاع الرأي السياسي، على ما يقوله معظم الشعب.
أبو مازن يحسب حساباً للواقع السياسي الفلسطيني بعد العام 2007 حيث من شأن صواريخ "حماس" أن تشعل انتفاضة ثالثة في الضفة، وحرب إسرائيلية ضد غزة، ستؤدي إلى أن تصبح الانتفاضة الثالثة حرباً في الضفة.
في إسرائيل يقولون: الرد يجب أن يأتي من الرأس لا من البطن، وربما نقول إن السياسة الفلسطينية يجب أن تأتي من الرأس لا من القلب!

 

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 والثالثة موضعية ومتنقلة  والثالثة موضعية ومتنقلة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia