لا زيادة (إسرائيلية) على مستزيد (فلسطيني) في تحليل وقائع وتداعيات موضوعي «مفاجأة» انتخابات آذار، و»مفاجأة» حكومة نتنياهو الرابعة. الأولى كشفت الوجه الحقيقي للديمقراطية الإسرائيلية، والثانية كشفت الوجه الحقيقي لنتنياهو!
ما الذي ينقص الزيادة الإسرائيلية في رأيي؟ ربما مقالة لايهود باراك صاحب شعار «اللاشريك» و»الوجه الحقيقي لعرفات»!
ما الذي يربط «المفاجأتين» في آذار وأيار؟ قبل 48 ساعة من فتح صناديق الاقتراع أطلق زعيم الليكود كذبة فظّة: «حكم اليمين في خطر. المقترعون العرب يتحركون بكميات هائلة إلى صناديق الاقتراع. جمعيات اليسار تجلبهم بالباصات».
في نتيجة هذه الكذبة جرف نتنياهو أصوات ومقاعد حليفيه الأكثر تطرفاً في حكومته الثالثة: «إسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي».. لكن نسبة التصويت اليهودية كانت أعلى من نسبة التصويت العربية.
ومن ثم؟ قبل 48 ساعة من تشكيل حكومة الـ67 مقعداً، أعلن زعيم «إسرائيل بيتنا» إيفيت ليبرمان انسحابه من ائتلاف أول حكومة يمينية منسجمة سياسياً، وصارت حكومة الـ61 مقعداً مثل راقصة «الباليرينا» تقف على أطراف أصابع قدم واحدة.
إذن؟ كان «اليسار» و»العرب» عدواً ليكود نتنياهو في مرحلة حملة الـ90 يوماً الانتخابية، وصارت أحزاب اليمين المتطرف القومي (ليبرمان) والصهيوني (بينيت) هي العدو في تشكيل حكومة مستقرة. علماً أن الاثنين شغلا منصب مدير مكتب رئيس الحكومة، وبالتالي يعرفانه جيداً هو وألاعيبه، وفوق ذلك فإن «البيت اليهودي» هو وجه الليكود الحقيقي.
هناك في أميركا وأوروبا من انتظر 90 يوماً، وهناك في إسرائيل من انتظر 40 يوماً ثم 14 يوماً فوقها حتى تشكلت حكومة الـ61 مقعداً. والآن، هناك من سينتظر في إسرائيل أسابيع وشهوراً ليدخل حزب العمل في الحكومة (بدون «الحركة» ـ ليفني) ويخرج منها «البيت اليهودي»!
القنبلة الإيرانية ليست هي من صنع «مفاجأة» الـ30 مقعداً لليكود، بل «قنبلة» الدولة الفلسطينية، وتحالف برلماني محتمل بين «اليسار» و»القائمة العربية».
كان نتنياهو مناوراً ذكياً عندما «كبّل» حزب «كولانو» بعقد أول اتفاق ائتلاف معه وأعطاه حصة كبيرة من «جبنة» الحقائب، بما يمنعه من الاقتداء بليبرمان، لأنه تعهد بعدم دخول حكومة من 61 مقعداً، وأيضاً حكومة تعتمد على أصوات المقاعد العربية.
لكن، بعد آخر اتفاق ائتلافي مع «البيت اليهودي» وحصوله على «جبنة» أكبر، صار بينيت هو «بيضة قبان» الحكومة الـ34.
في الدقيقة 90 شكل نتنياهو حكومته، وفي الوقت بدل الضائع عليه أن يوزع ما بقي من «الجبنة» على المستوزرين في حزبه، ويزيد عدد الحقائق الوزارية.
في الاتفاقات الائتلافية مع أحزاب المتدينين ارتفع العجز في الميزانية من 7 مليار شيكل إلى 15 مليار شيكل، وعلى وزير المالية، موشي كحلون أن يلحس المبرد الذي لحسه من قبل سلفه يائير لابيد، الذي بنى حملته على سؤال «من أين المال؟» فصار وزير مالية شدّ الحزام قليلاً على بطون الأحزاب الدينية، ثم وعدها نتنياهو بفك الحزام.
هل فرغت جعبة نتنياهو من الألاعيب؟ كلا، فهو سيغازل مبادرة السلام العربية، ولكن مع نزع زبدتها، أي القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، بدعوى أنها ليست مصدر المشاكل والصراعات الجارية في المنطقة.
المعنى؟ الديمقراطية اليهودية في خطر التصويت الفلسطيني إبان الحملة الانتخابية، لكن بناء «مصالح مشتركة» إسرائيلية ـ عربية ضد إيران ينفي مساعي التوصل إلى تسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
هذه هي الحكومة الإسرائيلية الأولى منذ الاحتلال 1967 التي لا يتضمن برنامجها موقفاً أو خطة لتسوية سياسية مع الفلسطينيين.
حزب العمل لم يعد كما في حقبة بن ـ غوريون ورابين، وحزب الليكود لم يعد كما في حقبة بيغن وشارون، ونتنياهو يتابع سياسة اسحاق شامير: العرب نفس العرب، والبحر نفس البحر، لكنّ العرب لم يبقوا نفس العرب، والفلسطينيين لم يبقوا نفس الفلسطينيين، وإسرائيل لم تعد إسرائيل.