مديح شباط

مديح شباط

مديح شباط

 تونس اليوم -

مديح شباط

حسن البطل

أول النوم الوسن، وأول اليقظة ماذا؟ ربما كما قال الصوفي "الحلم الذي في اليقظة أو اليقظة التي في الحلم".. وربما كما قالت شهور السنة: أول اليقظة في شباط. لا ينال شباط مديح الشعراء، لكنه يستحق مديح الحياة، فهو اول "لتفة" الربيع مرتدياً طرحة العروس، أو أن شجرة اللوز تسبق أخواتها: "نور اللوز .. رأيت الله". أول الازهرار الذي يقودك في درب الاثمار، الذي قد يقودك في طريق الايناع، الذي قد يقودك الى القطاف والحصاد. او ماذا؟ في بلادنا ذات الفصول الاربعة، يوقظ الفلاح الأرض من سباتها الشتوي. هذا شهر الحراث وقلب التربة وبذرها لمواسم الربيع وبواكير الصيف، فإن حلّ الصيف تحلو القيلولة تحت الدالية في أماسي الخريف الطويلة، أو ترى نجوم السماء من خلال عناقيد العنب: سماء من عنب. الدالية شتاء جرداء او كأنها جملة عصبية او شرايين وأوردة، والدالية في شباط تخضع، حتى يكون قطاف العنب وافراً، الى عملية جائرة. أين مقصك وأين سلمّك وأين قسوة قلبك، أي رحمته، في تقليم "وتشهيل" جائر للفروع والأغصان؟ يقودك جذع الدالية الى فروعها وهذه تدلك الى أغصانها الغليظة فالرفيعة .. وعليك ان تعد "العقد" عداً صحيحاً .. ثم تقطع.. لينمو طلق جديد يعدو في آذار ونيسان، ويحمل لك الحصرم الذي سيحمل لك سلالاً وقفافاً من العنب للمائدة والخوابي. يقولون: في آب تطيب الأعناب. يقولون: شجرة العائلة كأنهم يقولون شجرة الحياة، وشجرة الحياة بدأت بأوراق أبرية، ثم بأشجار ذات أوراق دائمة الخضرة، ثم بهذه الأشجار متساقطة الأوراق، ومنها نجني معظم الثمار. الشجرة بكماء ولكنها تنطق؟ كيف تنطق؟ إنها في شباط تناديك لتحمل اليها مقص التقليم والتشهيل، او أنها تنام ثم تتماوت ثم تموت .. لكنها قبل أن تموت، شيخوخة أو عطشاً او اهمالاً في قص فروعها، تسارع الى نفض ثيابها عنها، أي تتجرد من اوراقها، ثم تجفّ فروعها .. ولكن تترك لك ثمرة واحدة او ثمرتين من أجل التكاثر. شباط "الخبّاط اللباط" له أشكال ومراحل. العلاقة: أولاً هذا "الحب" وشباط شهر القطط والحب، ثم تليها هذه "الخطبة" في الربيع ثم هذا الزواج في الصيف .. وفي آخر الصيف او اول الخريف تأتي "الخلفة" .. حصاداً وافراً من الثمار والأقنوم هو: بذرة مشجرة. ثمرة ثم بذرة من جديد: دورة حياة ازلية. تزول أنت ولا تزول هي. الشجرة أنثى كالمرأة الانثى، ويقال أن أنثى الانسان القديم الصيّاد الجوال اكتشفت الزراعة خارج الكهوف من نمو البذور نباتات او اشجاراً، فتحول الرجل القديم الصياد المتجول الى الفلاح خلف سكة المحراث. اكتشاف النار اولاً، ثم اكتشاف الزراعة ثانياً.. ومن رماح ذات سهام من حجر في مرحلة الصيد، الى أدوات الحديد في مرحلة الزراعة. لا ينال شباط مديحاً من الشعراء الذين يمدحون الربيع او حزيران وتموز الحصاد، لكن نيكوس كازانتزاكس مَدَح شباط مديحاً الهياً، قال: نور اللوز .. رأيت الله! * * * البيوت القديمة ذات حواكير، والحواكير ذات أشجار، وبعض الأشجار مثمرة. يهجرون البيوت القديمة بالموت او بالرحيل الى بيوت جديدة، أو الى بلاد جديدة. أحياناً، يبقى في البيوت القديمة أصحابها العجزة الذين لا يقوون على شغلة مشقة تقليم أغصان الأشجار.. ومن ثم، لماذا لا تقوم البلدية بهذه المهمة الخيرية ذات المنفعة العامة، او يتولاها متطوعو الإغاثة الزراعية. الشجرة تعطي ثمرة او ظلاً، او تعطي حياتها فحماً. بعض الأشجار المثمرة عمرها دورة أقصر من عمر الإنسان، وبعض الأشجار عمرها أطول من عمر أجيال. في تشرين الثاني أول وسن نوم الأرض، وفي شباط اول اليقظة.. من القطط الى نوّار اللوز، فإلى رفاف الربيع. انه أول فورة الحياة .. ولذلك ربما كان اقصر الشهور. نقلا عن جريدة الايام الفلسطينة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مديح شباط مديح شباط



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia