حسن البطل
أعتذر ؟ عمّ ! عن شطحة في عمود لي تومئ إلى أن بيبي هذا غادر شعاره: "إن أعطوا أخذوا وإن لم يعطوا.. لن يأخذوا". الفلسطينيون أعطوا ولم يأخذوا؟
مع تبديل مواقع الكلمات صارت الصيغة الجديدة: "سجناء في مقابل شقق". الأسرى القدماء الـ 104 سيتحررون على أربع دفعات، ومع كل دفعة ستصدر عطاءات بناء إسرائيلية جديدة.
الدفعة (النبضة) الأولى تشمل 26 "ملعوبة" إسرائيلياً بحساب، فهي في معظمها تشمل المسنّين والمرضى. أو الخفيفين نسبياً في النبضة الأولى و"الثقال" في النبضة الأخيرة والرابعة؟! خبثاء لا كرماء!
الحساب ليس هنا تماماً، لأن التحرير الأول سيتم تحت جنح الليل، وسيارات نقل المحرّرين ستكون بنوافذ مغلقة بالستائر، حتى لا يطلّ المحرّرون منها مع ضحكات الحرّية وبأذرع ترسم شارة النصر.. وهذه مشاهد حرّية هي كالقذى في عيون سجّانيهم.
قليل من القذى في عيون "حماس" لأن 14 منهم سيكونون من غزة و12 من الضفة.. وهذا لإغاظة "حماس"، أو بتعبيرهم: تعزيز أبو مازن في عرين "حماس"، الذي سيستقبل أسرى الضفة صباحاً عند ضريح عرفات.
إذن، سيكون اليوم 14 آب يوماً مزيجاً من الفرحة والغصّة. الفرحة مشروعة إنسانياً ومفهومة، وأما الغصّة الوطنية فهي في أن يوم "أسرى مقابل شقق" قال استطلاع رأي إن نصف الفلسطينيين في الأقل ضد استئناف المفاوضات!
هذه أول عملية تحرير أسرى فلسطينيين دون مقابل تحرير إسرائيليين أو جثث جنود إسرائيليين، وأول عملية تحرير وفق صيغة لئيمة "أسرى مقابل شقق".
طالما وصفت عطاءات بناء بيوت في المستوطنات أو مستوطنات جديدة، أو خطط للاستيطان بأنها إجراءات "أحادية الجانب" وأمّا هذه المرّة فتزعم إسرائيل أن الأميركيين كانوا على علم مسبق مباشر، والسلطة على علم غير مباشر من الأميركيين، لذا قال كيري إن عطاءات البناء "خطوة متوقعة".. ولكنها تبقى ضمن مستوطنات "غير شرعية"، أي أمسك العصا من وسطها: تعزيز نتنياهو في حكومته، وتعزيز أبو مازن لدى شعبه؟
عادةً كانوا يقولون: أحرجه فأخرجه، وقبل ثلاث سنوات طلب أبو مازن تجميداً مفتوحاً لعمليات الاستيطان، فلما رفض نتنياهو جمّد أبو مازن المفاوضات.
هذه المرّة لن يخرج أحد من المفاوضات التي ستجري، دون مصادفة، بالتزامن مع النبضة الأولى لتحرير سجناء ما قبل أوسلو، علماً أن الاستيطان مشروع سياسي للتهويد والقضم والضم و"نبضاته" الاستفزازية موقوتة مع إطلالة كل مشروع سياسي، أو حتى زيارة سياسية، كما في زيارة جون بايدن، نائب الرئيس الأميركي الأولى لإسرائيل.
على ما يبدو، قبلت أميركا التسويغ الإسرائيلي القائل بأن معظم عطاءات البناء ستكون في كتل استيطانية ستبقى ضمن سيادة إسرائيل، حتى في حال التوصل إلى حل نهائي. هذه هي خطوة تفسيرية لتصريح سابق للرئيس بوش ـ الابن بأن الكتل الاستيطانية أضحت حقائق واقعية، وتصريح لاحق من كيري نفسه بأن 85% من الكتل ستبقى تحت سيادة إسرائيل.
هل هذه "مقبّلات" أميركية لتشجيع إسرائيل على قبول مبدأ تبادلات أرضية، ومن ثم تشجيعها على ترسيم حدودها كما يشتغل على ذلك فريق خبراء عسكري أميركي برئاسة الجنرال آلن لربط أمن إسرائيل الاستراتيجي مع ترسيم حدودها، أي التمييز بين حدود السيادة وحدود الأمن، على أن تضمن أميركا هذا التمييز بين حدود سياسية وأخرى أيديولوجية!
مع إطلاق الدفعة الأولى (النبضة الأولى) من الأسرى القدماء، ستبدأ المفاوضات الحقيقية بمشاركة افتتاحية أميركية مباشرة، حيث سيجلس الوسيط مارتن انديك في الوسط بين الفريقين المفاوضين برئاسة عريقات وليفني.
في مفاوضات افتتاح المفاوضات في واشنطن كانت هناك جلسة ونصف أو جلستا تفاوض، أما في المفاوضات الفعلية، اليوم، فلا أحد يعرف كم جلسة تفاوضية أو الفترة الزمنية لها، وأما نتائجها فستبقى "سرية" رسمياً، مع بعض التسريبات ثم نفي أو توضيح التسريبات، في عملية ترويض مقصودة للشارعين الإسرائيلي والفلسطيني!
هذه مفاوضات وصفها كيري بأنها "عملية استراتيجية" وفي كل استراتيجية مراحل، من بينها "أسرى مقابل شقق" إلى أن تصل ـ إن وصلت ـ إلى ترسيم الحدود بين دولتين.
إذا تم الترسيم، فمن المتوقع أن ينجح الاستفتاء في الجانبين، بعد مغادرة الشكوك المتبادلة والقوية بنجاح المفاوضات.
غالبية في الشعبين تقبل، بهذه الصيغة أو تلك، مبدأ "الحل بدولتين" لكن غالبية الشعبين لا تصدّق أن المفاوضات ستؤدي إلى هذا الحل.. فقد لدغنا من الجحر مرتين وثلاثاً!
هل يكفي أن يصدق الأميركيون أنفسهم، وأن يجرّوا الجانبين إلى "تكذيب" شكوكهم المزمنة؟