حسن البطل
من قصص النكبة الفلسطينية أن أمهات حملن مخدات عوضاً عن أطفالهن الرضع، وفي الروايات الدينية عن يوم القيامة ـ يوم ينفخ في الصور، أن كل واحد لنفسه!
.. وفي الضربة الوشيكة لسورية ستكون كل دولة وحزب وفقاً لحساباتها المصلحية: الربح والخسارة. فماذا لفلسطين بعد الضربة؟
سنبدأ "من الآخر" أي من بيان ريغان في الأول من أيلول 1982.
المنظمة والفلسطينيون خسروا معركة بعد "صمود أسطوري" سئل عنه أبو جهاد بعد أيام من بدء الغزو، فأجاب السائلين من الفدائيين: نحن نفاوض لتحسين شروط الخروج. كنتُ في البحر على متن آخر سفن الرحيل في 31 آب والأول من أيلول، والقيادة الفلسطينية رحبت ببيان ريغان.
بعد "عاصفة الصحراء" 1991 عقد مؤتمر مدريد، وشاركت فيه إسرائيل مباشرة والفلسطينيون غير مباشرة، ومن ثم شبه "على قدم المساواة" في محادثات الردهة في وزارة الخارجية الأميركية، وأخيراً على قدم المساواة، ووجهاً لوجه، في مفاجأة أوسلو.
وثالثاً، بعد غزو العراق 2003 طرحت الولايات المتحدة "خارطة الطريق" ثم طرحت موضوعة "الحل بدولتين".
تحقق لأميركا، بعد غزو العراق، ما هو أبعد من تجريد هذه الدولة من الأسلحة الاستراتيجية وخرجت العراق من حسابات "موازين القوى" العربية ـ الإسرائيلية.
بعد الضربة، التي ستتوسع من "وخزة" إلى نزع السلاح الاستراتيجي من سورية، لن تبقى هناك "دول ممانعة" عربية، وسيتم شلّ أو تفكيك محور: إيران ـ سورية ـ حزب الله، بالسياسة إزاء إيران، وبالحرب إزاء سورية، وبمعادلات لبنانية وإقليمية جديدة إزاء حزب الله؟
مرّ زمن على المعادلة العربية لحل الصراع (وتطويرها): الأرض في مقابل السلام، وجاء زمن كيري بعد استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية بمعادلة قوامها الأمن (لإسرائيل) مقابل ترسيم الحدود (لفلسطين).
كيف تكون أميركا، رئيساً ووزير خارجية، في دور حمامة السلام في الموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفي دور الصقر الجارح في موضوع سورية؟
مع نزع السلاح الاستراتيجي من سورية (أسلحة كيميائية لمعادلة القنابل الذرية الإسرائيلية، وصواريخ أرض ـ أرض السورية بعيدة المدى سيتأمّن أمن إسرائيل الاستراتيجي، لأن مصر مشغولة بنفسها وبتأمين ثورتها من الارهاب في سيناء، ومن ثم، لا يبقى سوى معادلة الأمن الإسرائيلي الجاري إزاء فلسطين، في مقابل الأمن السياسي الفلسطيني.
اقرأوا جيداً تعليل صائب عريقات للأسباب التسعة ("الأيام" ص1، أمس الأحد) التي أقنعت الفلسطينيين بالتفاوض من موقع ضعف عسكري وقوة سياسية ـ ديبلوماسية (تسوية نهائية، مبادلات أرضية. حل كل عناصر الصراع، رفض الحلول المؤقتة).
في حديثه عن "اليوم التالي" للضربة الأميركية بخصوص الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي قال مسؤول أميركي لن يكون هناك "تغيير كبير" على الفور، لكن بعض حلفاء الضربة الأميركية من الدول العربية هم بعض أعضاء لجنة المتابعة العربية (السعودية) الذين اجتمع إليهم كيري في باريس، والأهم اجتماع مطول مع أبو مازن في لندن.
قال: معنا "لاعبون عرب رئيسيون في الضربة والإقلاع". وسيكونون معنا في الهبوط للتوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي؟!
تذكرون المعادلة: "بوشهر" الإيرانية مقابل "يتسهار" الإسرائيلية في الضفة، والآن دولة فلسطينية في مقابل إخراج سورية من موازين القوى.
لا يبقى من الجبهة العربية والجبهة الشرقية سوى الأردن، وهذه الدولة ستكون جزءاً من تسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وتأمينه عسكرياً وسياسياً وربما اقتصادياً.
وإيران؟ في حال تسوية وسلام فلسطيني ـ إسرائيلي سيسهل على الغرب "إطفاء الجذوة" الإيرانية في الموضوع الفلسطيني، وكذلك واقع حزب الله للصراع مع إسرائيل.
الآن، التسريبات الفلسطينية لست جولات أنها "عقيمة" (عبد ربه، عريقات، شعث.. وأبو مازن، أيضاً) لأنها تدور حول أمن إسرائيل الاستراتيجي على غور الأردن، كشرط للبحث في ترسيم الحدود و"المبادلات الأرضية".
ينبغي أن تكون المعادلة التفاوضية الفلسطينية أقرب إلى التالي: أمن إسرائيل مقابل السيادة الفلسطينية على الغور، وربما مع بعض قواعد الرادار الإسرائيلية على الجبال. المفارقة هي: أمن إسرائيل العسكري من أمن فلسطين السياسي!
قد تثير الصدمة مطالبة كيري لأوروبا بتأجيل عقوبات على المستوطنات، لكن أميركا تفكر كالتالي: دولة فلسطينية ديمقراطية سيادية مع "بعض اليهود" ودولة إسرائيلية مع "شعب فلسطيني" في إسرائيل.. وهذا وذاك يشكلان ضمانة أكبر للسلام؟!
ومن مشروع ريغان، إلى "خارطة الطريق" و"الحل بدولتين" إلى مشروع كيري، فإن مسألة الدولة الفلسطينية تتقدم باطّراد، مع نسج أميركا روابط اقتصادية وسياسية وأمنية بين دولتي فلسطين وإسرائيل.
ستكون لنا دولة تحت "انتداب" إسرائيلي ـ أميركي كما كانت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.. ربما!. دولتان صديقتان لأميركا؟!
نقلا عن "الأيام"