في المبالغة المقبولة: أن صورة تعادل ألف كلمة؟ أجائز مبالغة في القول: أن رسمة ساخرة (كاريكاتير) تعادل كذا صورة؟
هل تفوز صورة من صور الحرب على غزة بجائزة دولية كما سبق وفازت صور عن الانتفاضة، أم تطغى عليها فظاعات الصور العراقية والسورية؟ مصوّرونا "الملاعين" يخصون الوكالات الأجنبية بأحسن صورهم، وأبلغ الصور ـ كما أرى ـ تنشرها وكالة الـ "يونايتد برس" أو "أسوشيتد برس"(A.P) و(API).
لديّ ترشيحاتي لأبلغ صور الحرب على غزة (مثلاً: صبيّة تنطّ على الخرائب كالغزالة منتعلة "شحاطة" وعلى خصرها تمسك بشقيقها الرضيع، أو صورة كأنها طبق الأصل من أيقونات ستنا مريم تحنو على يسوع رضيعاً).
لكن، في معرض رسوم "الكاريكاتير" عن الحرب على غزة (قاعة الجليل ـ متحف محمود درويش) قد أميل لصالح رسامي الكاريكاتير الأجانب على العرب؛ والعرب على الفلسطينيين. لماذا؟
يروننا عن بعد خيراً مما نراه (ونحسّه) عن قرب. مثلاً: قدم عارية توشك أن تطأ سنّ مسمار ناشزا تؤلم الرائي أكثر مما تؤلم صاحب القدم، أو صورة قطاف رؤوس تؤلم الرائي أكثر من ألم ضربة سيف تطيح بالرأس.
على جدران القاعة زهاء 100 رسمة، أبيض ـ أسود وملونة، حسب الكاريكاتير الفلسطيني الشاب محمد سباعنة. هذا أدهشني لمّا عرفت منه، ومن سامح خضر، مدير المتحف، أن الرسومات أصلية، غير منسوخة من "الإنترنت". كيف وصلت من بلدان قصيّة ولم تضع الحرب أوزارها؟ فكرت، لاحقاً، أن بعضها ليس رسومات فورية عن الحرب الثالثة الجارية، بل عن حروب غزية سابقة، وربما عن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
لا بأس، فالحرب جولات في صراع مديد، وهو صراع فريد لاحتلال فريد ومعقّد، حيث المسألة اليهودية عالمية، وصارت تساوقها القضية الفلسطينية.
مائة رسمة تذكرني بمعرض لا أنساه هو معرض "مائة شهيد ـ مائة حياة" في مطلع الانتفاضة الثانية من عمل مركز خليل السكاكيني، أو تذكرني بمعرض لوحات فنية أجنبية وعربية وفلسطينية نظمته الفنانة منى السعودي ببيروت العام 1978، وتضمن لوحات أصلية لرسامين عالميين، بينهم "ميرو" الشهير.. وقيل إنه أهم معرض عالمي في تاريخ بيروت.
ماذا يفعل كاريكاتير ساخر أمام جرح فاغر، حيث لا مفارقات مضحكة هي عماد هذا الفن؟ ربما الجواب: ضحك كالبكاء ـ ابتسامة كتكشيرة.
هاكم كلمات تصوّر الكاريكاتير الأخرس إن استطاعت:
الإيطالي سانيو بريتلي: طفلة ترمي إلى البحر زجاجة محكمة وفيها صورة خريطة غزة.
اليوناني ماتوس سيبوتكس: شمعدان رؤوسة تطلق صواريخ وقذائف.
الإسباني كامب: اقتبس من صورة أميركية شهيرة صارت تمثالاً عن معركة جزيرة أيوجيما مع اليابانيين، لكن جنود إسرائيل يرفعون علمهم على تلة من القتلى الفلسطينيين.
.. فإلى عنكبوت وقعت في شباكه خريطة غزة، فإلى طبعة قدم جندي إسرائيلي، والطبعة على الرمل هي خارطة قطاع غزة.
فإلى ياسر أبو حامد في لعبة أطفال (الإكس) مطوّقة بالجنود والدبابات.
ولعلّ الرسمة التي هزّتني هي لمحمد التميمي: كوكب الشمس كأنه شطيرة بيتزا، وقطعة من الشطيرة على علم فلسطين، وأيضاً المصري شريف عرفة رسم الجيش الإسرائيلي المدجّج كأنه حجارة كاملة للعبة شطرنج مصطفة، وأمامه بيدقان بألوان العلم الفلسطيني.. وأما عن الرسمات بريشة فلسطينيين فلن أحكي، ربما تجنباً للحساسيات، وربما لأن أحسن رسام فلسطيني، الزميل بهاء البخاري، غاب عن المعرض، وهو المعتبر بين عشرة من أفضل رسّامي كاريكاتير على نطاق العالم.
عادة يتسيّد الأبيض ـ أسود رسومات الكاريكاتير، لأنه قمة المفارقات في الألوان كما في المواقف، لكن لا بأس بكاريكاتير بالألوان، وكلما قلت شروح الرسمة بالكلمات، كانت أبلغ (هل أبلغ من الصمت).
نسيتُ التنويه برسمة سويسرية بريشة عربي مقيم هناك، وهي تمثل أولاداً يطلقون طائرات ورقية في سماء تحوّم فيها طائرات حربية.
هل ينتقل المعرض إلى ساحتي المنارة وميدان ياسر عرفات ويجول في المدن لتراه السابلة العابرة، وتتوقف أمام اللوحات، كما حصل في معارض شارع أخرى.
فقرة من مداخلة رئيس السلطة في اجتماع للقيادة: الذهاب للمنظمات الدولية ليس إشاعات كما يقولون (..) أقول لمن يقول إن أبو مازن لم يوقع. أنا لا أوقع على عريضة تنظيمات. أنا أوقّع على رسالة (رسمية). من يقول: وقّع ومن لا يوقّع عليه أن تكون لديه جرأة ليتحدث عمّن وقّع ولم يوّقع".. يعني: هناك فصائل لم توقّع تخشى من اتهام بجرائم حرب (صواريخ وعمليات انتحارية).
وزير الاقتصاد محمد مصطفى قال، أمس: لو تُرك اقتصاد غزة ينمو بمعدلات التسعينيات لكان حجمه أعلى مما هو عليه الآن بنسبة 30%.
الزميل أكرم عطا الله (آراء الأيام ـ أمس): نسبة الشهداء والجرحى هي 6% من سكان غزة، و40% من الجرحى تعادل أربعة آلاف معاق جديد.
علماً أن النسبة العالمية هي: قتيل بين كل خمسة جرحى، وهذا يعني أن 1% من ضحايا الحرب يعادلون 1% من قتلى إسرائيل في حرب إقامتها 1948 (غزة 1.8 مليون، وإسرائيل كانت 650 ألف يهودي العام 1948 سقط منهم 6000 قتيل.