حسن البطل
«يحدثوننا بلساننا في لساننا بغير لساننا»
إعرابي عن عربية أهل المدن
***
مستدرجاً الوسن آخر الليل، بصفحة التسلية في جريدتي، وبخاصة زاوية «الكلمات المتقاطعة». كم اسماً ووصفاً ونعتاً للأسد وللذئب مثلاً، لكن أراني صديقي، أمس، على هاتفه النقال الذكي، صورة قلب ملوّن محشو بـ38 كلمة مرادفة لكلمة «الحب» بالعربية.
المناسبة هي اليوم العالمي الذي تحييه «اليونسكو» للسان «الضاد» العربي، جرياً على يوم تكريم ست لغات عالمية معتمدة رسمياً في منظمات الأمم المتحدة.
قالوا عن العربية إنها «لغة الضاد» الذي تتميز به عن باقي اللغات، أو لأن فعل القياس هو «ضرب»، كما فعل القياس وتصريف الأفعال في الإنكليزية هو فعل التملك To have وفي الفرنسية فعل الحب Aimer.
هل للأسد والذئب في العربية ما للحبّ من 38 مترادفاً؟ لا أعرف. هل لفعل «الحبّ» في الفرنسية والإنكليزية ما له في العربية؟ لا أعرف. هل أن عدد مفردات اللغة العربية يفوق ما في غيرها من لغات حيّة؟ لا أعرف، وإن قيل إن مفرداتها تنوف على الـ 40 ألف كلمة.
ما أعرفه أن الإنكليزية والفرنسية تبزّ العربية في استخدام مصطلحات التكنولوجيا والعلم الحديث، وأن العربية تبزّهما في خاصية: الترادف والأضداد، المجاز والطباق، والجناس، والسجع، والتشبيه. هذا يعني طواعيتها على تعريب ما يُستجد من مفردات ومصطلحات التكنولوجيا والعلم الحديث، لولا تيبّس حرّاس اللغة في مجامعها.
قرأت ما سرّني، وهو أن من بين سبع لغات عالمية حيّة مستخدمة في هذه «الإنترنت» فإن العربية أكثرها نموّاً، وتتفوق على الفرنسية والروسية.
عندما كنتُ في قبرص، قال لي مواطن يعرف العربية قليلاً إن لغة كتب فلاسفة وعلماء الإغريق العظام غير مفهومة دون ترجمتها إلى اليونانية المعاصرة، وربما هذا ينطبق، ولو جزئياً، على لغة شكسبير وموليير في الإنكليزية والفرنسية، لكن أكثر الناطقين بالعربية يفهمون معظم مفردات القرآن الكريم، وأيضاً الشعر العربي القديم ومعلقاته.
وتجد في لغة الأدب العربي الحديثة، وفي الصحافة بالذات، مفردات لم ترد في القرآن. هذا دليل على مطواعية العربية.
هناك من يقول إن «سيبويه» الفارسي المسلم، أحسن إلى النحو العربي حتى أطلق البعض عليه أنه وضع «قرآن النحو»!
نحن نعرف دور غير أهل اللغات في إغناء لغاتها، لأنهم «يفكرون» باللغة الأم، ثم ينقلون صورها ومعانيها إلى اللغة الأخرى.
حسناً، لغة الضاد يتحدث بلسانها زهاء 422 مليون إنسان، معظمهم في نطاق «العالم العربي» لكن الناطقين بالإنكليزية والفرنسية والبرتغالية، مثلاً، أكثر من الناطقين بها في بلادها الأصلية، أو موطنها الأصلي.
لاحظتُ، مثلاً، أن اللغة الفرنسية كما تكتبها صحيفة «لوريان لوجور» اللبنانية أكثر «فرنسية» و»صعوبة» من لغة «لوموند».
لمحمود درويش قولته: معجزة إسرائيل الحقيقية هي في إحياء العبرية بعجنها بلغة «الايديش» والعربية، ومصطلحات الإنكليزية والألمانية مثلاً.
باحث أردني في العربية المدرسية، هو ذوقان عبيدات، لاحظ أن العربية الفصيحة أسعد حالاً في المناهج السورية واللبنانية، لأن معدّيها اختصاصيون، لكن المنهاج الأردني المدرسي يعدّه علماء في اللغة وجهابذتها دون أن يكون بينهم تربويون، ويسوق مثلاً: في منهاج الصف التاسع الأردني يرد ذكر ثلاثين شخصية كلها عاشت قبل ألف عام، وأمّا المنهاج اللبناني ففيه الماغوط، ومينه، ولوثر كنغ، وحتى غادة السمان ونوال السعداوي وسعدي يوسف. هذا هو الفرق بين مؤلفين تربويين ومؤلفين لغويين، بما يؤكد القول: أنقذوا العربية من نُحاتها.
عندما كنت في لندن، لفتتني فرنسية تجيد العربية لأنها متزوجة من لغوي مغربي هو: عبد الغني أبي العزم، إلى قاموس من تأليفه. معجم «العربي الزاهر» يضيف نوعاً وكمّاً إلى قواميس اللغة العربية، ويمتاز عليها بأنه استخدم «الألفبائية» كما في قواميس اللغات الحية الأجنبية.
يزعم صاحب معجم «العربي الزاهر» أنه بذلك نقل «القومسة» من اختصاص أهل المشرق العربي إلى أهل المغرب العربي.
صحيح، أن عدد البحوث العلمية بالعبرية يزيد على عددها بالعربية، لكن لغة يتحدث بها ستة ملايين غير لغة ينطق بها 490 مليونا، ومن ثم بدؤوا في إسرائيل بكتابة بحوثهم باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية.
ماذا تفضلون: ضَرَبَ زيد عمراً، أو أَحَبَّ قيس ليلى؟ هل لأحد أن يضيف المفردة إلـ 39 لكلمة «الحب» بالعربية؟