«ليس دائماً تلتقي الرواية الدينية مع الرواية التاريخية» هكذا عقّب د. فاضل عاشور، على الضجة الثانية التي أثارها المفكر والروائي المصري يوسف زيدان.
الضجة الأولى كانت في روايته «عزازيل»، والثانية في حواره التلفزيوني على قناة «سي. بي. سي».
سأضيف أن الروايتين الدينية والتاريخية، قد لا تلتقيان مع معطيات الواقع، ولهذا الواقع رؤى مستقبلية مختلفة.
درويش طرح سؤالاً عن استقرار الحجر (المقدس) ودوره في الحروب الدينية، وبعض هذه الحروب الاستعمارية والأيديولوجية لا تخلو من جذر ديني أو عنصري.
في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تتداخل الرواية الدينية مع الرواية التاريخية مع الواقع الجديد، وهذا يتداخل مع الرؤى المستقبلية.
الجيولوجيون يقبلون نظرية تعاقب طبقات الحقب الجيولوجية، والمؤرخون يقبلون تعاقب الحضارات الإنسانية.. وأمّا تعاقب الأديان من أساطير وثنية إلى ديانات أرضية، ثم ديانات سماوية فأمر آخر؟!
آخر الديانات السماوية، الإسلام، خلاف اليهودية مثلاً، يقبل مبدأ تعاقب الديانات السماوية، ويعترف بالديانتين السماويتين السابقتين، كما يعترف الأب، مثلاً، ببنوّة أولاده، وهؤلاء ببنوّة أحفادهم.
أين يمكن الاتفاق مع صاحب رواية «عزازيل»؟ هل في اختلاف الرواية الدينية عن الرواية التاريخية، أم في اختلافهما عن الواقع والرؤى المستقبلية؟
له تفسيره لما جاء في القرآن الكريم عن «الإسراء» وما جاء في تفسيره لكلام النبي محمد عن «المعراج»، حيث سئل رسول الله عن تفسيره لما ورد في القرآن الكريم عن «المعراج»: «ثمّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى» فقال: «رأيت الله ربي بفؤادي».
في الأدب والصوفية والمعتزلة يقولون: رأيت رؤيا القلب، وعامة الناس تقول: قلبك دليلك في مجالات أخرى.. وقد ترى الله في أحلامها.
«أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب»؟ هذه رؤية شعرية، وصاحبها يقصد دور الحجر في الحروب الدينية. فما هي أسباب الحرب بيننا وبين إسرائيل (الصهيونية والعروبة؛ الإسلام واليهودية)؟ حسب صاحب «عزازيل» فهي حروب سياسية وعقائدية، ولو ناشئة عن روايات تاريخية، وهذه الروايات ناشئة عن روايات دينية.
في زمن مضى من حروب الحضارات والأديان كان مقبولاً تحويل معبد وثني إلى معبد ديني سماوي، ثم معبد ديني سماوي يأتي بعده.
يمكن رؤية هذا في المسجد الأموي الكبير بدمشق، حيث كان معبداً وثنياً لجوبيتر، ثم كنيسة، ثم جامعاً، كما تحولت كاتدرائية أيا صوفيا المسيحية ـ الأرثوذكسية إلى مسجد عثماني، ثم إلى متحف تاريخي.
حصل لي وتأمّلت حجارة التكيّة السليمانية ـ دمشق، فوجدتها تعود إلى حضارات سبقت، كما هي حجارة ما ندعوه حائط البراق وما يدعونه جدار المبكى.
في زمن الحفاظ على الأنواع من خطر الانقراض، وزمن حقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لم يعد مقبولاً استبدال معبد ديني بآخر، ولا حتى هدم آثار إنسانية بذريعة تحطيم الأصنام، فكيف بالأحرى استبدال المسجد الأقصى بالهيكل.
.. ولا تسويغ المستوطنات اليهودية في الضفة بوجود يهودي سابق على إقامة إسرائيل، بما فيها القدس العتيقة أو الخليل.
ذات مرة، قال أحد رؤساء بلدية الخليل، مصطفى عبد النبي النتشة: خذوا يهودكم وهاتوا يهودنا!
لا فائدة من الحديث عن أصل الفلسطينيين القدامى (من كريت) أو عن الهجرات العربية لبلاد الشام، أو خلال الانتداب البريطاني؛ ولا فائدة من التمييز بين السفاراد والاشكناز في تشكيل الشعب الإسرائيلي.
هنا الواقع: يوجد شعبان، ولهما حق في «تقرير المصير»، وهذا الحق يتقدم على اختلافات الروايات الدينية والتاريخية.
«في هذا الموضوع لا يوجد حلّ ديني بل حلّ سياسي» كما يقول يوسف زيدان، وهو أصاب هنا وإن اجتهد في تفسير الروايات الدينية والتاريخية.
تصادفت الضجة حول صاحب كتاب «عزازيل» مع رؤى مستقبلية بشكل أسئلة طرحها وزير الخارجية جون كيري في معهد «تسابان».
كيف ستحافظ إسرائيل على طابعها اليهودي والديمقراطي؟ هل سيكون للعرب حق التصويت؟ هل ستكون قوانين مختلفة للإسرائيليين والفلسطينيين؟
جواب كيري عن أسئلته هو: لا تستطيع إسرائيل أن تكون يهودية وديمقراطية دون أن تتبنى «حل الدولتين».
الرؤية الواقعية هي: بين دولتين ودولة واحدة، هناك دولة اتحادية!