كردستان وفلسطين شيء من التشابه، شيء من الاختلاف

كردستان وفلسطين: شيء من التشابه، شيء من الاختلاف

كردستان وفلسطين: شيء من التشابه، شيء من الاختلاف

 تونس اليوم -

كردستان وفلسطين شيء من التشابه، شيء من الاختلاف

حسن البطل

في ليلة من يوم ما من العام 1959، استيقظ أهل دمشق على اسم جديد لخط باصات حي "الأكراد"، شرقي جبل قاسيون بدمشق، وصار اسمه "حي ركن الدين"، وأغلب ظني أن هذا الإجراء بفعل الناصري العروبي عبد الحميد السراج، رئيس "المجلس التنفيذي للإقليم الشمالي" ـ سورية من الجمهورية العربية المتحدة، بموافقة الرئيس ناصر أو دون موافقته!
خط باصات "كرادة مريم" وكرادة أخرى في بغداد لم يتغير في رئاسة صدام حسين، ربما حتى العام 1973 ولا أعرف بعد مغادرتي العراق.
لكن، النظام السوري، حتى بعد الانفصال عن الوحدة مع مصر 1961، مارس بخاصة في منطقة الجزيرة، سياسة التقريب و"الحزام العربي"، وفي خانة الهوية السورية مكتوب لكل السوريين "عربي سوري".
الاسم الرسمي لسورية هو "الجمهورية العربية السورية"، والاسم الرسمي للعراق "جمهورية العراق" وصار تعريف الشعب العراقي، مطلع حكم حزب البعث ـ جناح العراق "الشعب العراقي، بعربه وكرده، وأقلياته القومية المتآخية" لكن النظام البعثي العراقي لم يتورع، بدوره، عن سياسة "الحزام العربي" وبالذات تعريب مدينة كركوك. يعني؟ أكراد في بغداد فلماذا ليس عرب في كردستان؟
الآن، توجد في الفوضى السورية "قوات حماية الشعب الكردي"، أما في فوضى التفتت العراقي فهناك قوات "البشمركة" المحاربة للحكم المركزي العراقي منذ عشرات السنوات، في العراق الملكي، والجمهوري، والبعثي.. وهي الآن تتبع "إقليم كردستان" المتمتع بحكم ذاتي واسع، مع مؤشرات وخطوات نحو الاستقلال، أما في اطار عراق فدرالي ـ كونفدرالي أو في نطاق الانفصال، إذا استشرت النزاعات العربية العراقية (سنة وشيعة) نحو ثلاث عراقات: سنية وشيعية وكردية، علماً أن العراق أكثر تعقيداً، قومياً ودينياً ولغوياً، من هذا الاختزال.
من الواضح أن نكبة العراق وسورية تسبب فيها حزب قومي عربي في الشعار، لكنه مال إلى حزب مذهبي في التطبيق، وخلط العروبة بالإسلام بالمذهب.
يتحدثون عن "خربطة" الإسلام الأصولي خريطة سايكس ـ بيكو لتقسيم بلاد الشام إلى أربع دول، لكن العراق الحديث لم يرسم وفق هذه الخارطة، بل وفق مصالح وصراعات بريطانيا وتركيا ما بعد الخلافة، وإيران.
يتواجد الشعب الكردي، أو الشعوب الكردية بالأحرى، في أربع دول: العراق، إيران، سورية، وتركيا وهذه الأخيرة تضم القسم الأكبر من الشعب الكردي (20 مليوناً).
كانوا يتحدثون عن خارطة سايكس ـ بيكو أنها أربع دول، ولكن مع خمسة شعوب. الفلسطينيون كما الأكراد هم الشعب الخامس في أربع دول ويتطلع إلى الاستقلال في دولة خامسة (سورية، لبنان، الأردن.. وإسرائيل).
كان العروبيون البعثيون، وبخاصة في سورية، يتحدثون عن "الشعب العربي" من بغداد إلى تطوان (.. إلخ) وعن "الوطن العربي"، والأغنية القومية تقول: "وطني حبيبي/ الوطن الأكبر" أما المصريون فيتحدثون عن "العالم العربي" أو "البلاد العربية" وعن "شعوب الأمة العربية". لم تنجح المزاوجة بين العروبة والديمقراطية، ولن تنجح بين الإسلام والديمقراطية.
في الحال العربية الراهنة ما يغري بـ "البكاء على الأطلال" ليس كما كان يفعل شعراء الجاهلية الفطاحل، بل على "أطلال" العروبة والفكرة القومية العربية.
الحقيقة أنه بكاء على "حلم" وليس على واقع، لأن الإمبراطوريات العربية، على اختلافها، رسمت حدوداً بين العالم العربي والعالم الإسلامي، وبخاصة منذ انهيار الخلافة العثمانية، وكانت هناك امبراطوريات عالمية أوسع انتشاراً وتفتتا رغم أنها كانت "عالمية" مثل الامبراطورية الرومانية.
عملياً، سنقول: الدول الناطقة بالعربية كلياً أو جزئياً، ودين غالبية سكانها هو الإسلام، والإسلام السني، لكن العروبة ليست سوى القومية الغالبة، والإسلام هو دين الغالبية.
الفلسطينيون هم عرب ودين الغالبية هو الإسلام، لكن أرض فلسطين صارت يهودية وعربية. الأكراد هم قومية أخرى لكن معظمها يدين بالإسلام (غالبية سنية وقليل من الشيعة). صلاح الدين لم يكن بطلاً عربياً، بل بطلاً إسلامياً، وإسلامياً سنياً أوقف انتشار المذهب الشيعي والفاطمي.
تسبب الإسلام السوداني في انفصال ديمقراطي لجنوبه المسيحي ـ الوثني، والدولة السودانية الفاشلة صارت دولتين فاشلتين ولو مستقلتين.
قد يتسبب الصراع المذهبي العربي في انفصال كردستان العراق، وهي صارت إقليماً مزدهراً، ومنطقة لجوء للشعوب والأديان في الدول المجاورة، بينما نجح الأكراد العراقيون في ائتلاف يحكم كردستان من الحزب الديمقراطي الكردستاني (المحارب الملا مصطفى البرزاني ونجله مسعود رئيس الإقليم) والحزب الوطني الكردستاني (جلال الطالباني رئيس الجمهورية)، وكلاهما أكراد سنة (رئيس الوزراء شيعي، والجمهورية كردي، والبرلمان سني).
لم يعد الصراع العراقي عربياً ـ كردياً، بل صار إسلامياً سنياً ـ شيعياً يقف فيه شعب كردستان العراق على الحياد الإيجابي، وتمارس قيادته سياسة عقلانية بين حق الشعب الكردي في الاستقلال وانتماء معظم الأكراد هناك للمذهب السني.
إذا استمر التناحر العراقي المذهبي ستكون كردستان العراق نواة كردستان الكبرى، وبخاصة إذا امتد الانفجار العراقي إلى تركيا وإيران، هذه الأخيرة تقمع الشعوب الإيرانية والأكراد أكثر من غيرها، ولو تحت غطاء قومي فارسي وغطاء إسلامي.
في المرحلة الراهنة يطرح سؤال كردي وسؤال فلسطيني: حكم ذاتي مزدهر أم دولة فاشلة؟
الشعب الفلسطيني ناجح مثل الكردي، لكن دولة فلسطينية ناجحة تنتظر ظرفاً إسرائيلياً ودولياً ملائماً، كما حال حكم إقليم كردستان العراق.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كردستان وفلسطين شيء من التشابه، شيء من الاختلاف كردستان وفلسطين شيء من التشابه، شيء من الاختلاف



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia