حنيف ضعيف وعنيف

حنيف.. ضعيف.. وعنيف ؟!

حنيف.. ضعيف.. وعنيف ؟!

 تونس اليوم -

حنيف ضعيف وعنيف

حسن البطل

بدأ دين الإسلام دعوته من الصحراء، ذات السماء الصافية. سنذهب، إذن، إلى علاقة الإنسان بالنبات، وعلاقة نبات الصحراء بالمطر.
إن جادت السماء، الصافية عادة، بمطر وفير ومدرار بعد دورة جفاف واحتباس (سبع سنوات سمان، وسبع سنوات عجاف) فإن تربة رملية في الصحارى تُزهر بنباتات كانت كامنة في الرمل لسنوات طوال، وذات دورة حياة قصيرة.. تعود بعدها إلى الكمون، بانتظار مطر مدرار.
لأن صحارى بلاد العرب جافة وحارة، فإن قوة حمل الهواء ضعيفة للسحاب الماطر الذي في صحراء دافئة، يهطل وابلاً يشكّل سيولاً في الوديان، قادرة على جرف البعير.
انتشر دين الإسلام، حتى الأصقاع الباردة، ولا تكفي الواحات النادرة في الصحارى العربية (وكلمة صحارى في كل اللغات، ولا تفيها كلمة Desert معناها) لتكون صورة جنة الخلد، التي "تجري من تحتها الأنهار".. التي تجري في غوطة دمشق مثلاً، أو في بلاد النهرين (ميزو بوتاميا).
لنترك الصحراء ودورة حياة نباتاتها المزهرة بعد مطر وفير وسيول جارفة، إلى نباتات المنطقة المعتدلة، حيث أن هناك تنمو نباتات طفيلية تمتص عافية النباتات النافعة، أو تقضي عليها أحياناً، مثل نبات يعرف في الضفة "الهالوك".
لكن، حتى في الغابات الدائمة، أوالغابات المطرية على مدار العام، هناك نباتات طفيلية متسلقة، تنمو على جذوع الأشجار وطحالب جذوعها، دون حاجة إلى التربة (الآن يجربون زراعات في أحواض مائية محقونة بما يلزم النبات من عناصر مغذية).
***
الظاهرة الداعشية فيها ما في يقظة نباتات الصحارى من حالة الكمون، وفيها ما فيها من نباتات طفيلية؛ وفيها ما فيها بين حالات دين الإسلام: حنيف.. ضعيف.. وعنيف.. وأخيراً فيها ما فيها من حنين لـ "الخلافة".
المشكلة أن "الخلافة" الإسلامية كانت بسيطة وبدوية ـ رعوية في حقبة الخلافة الراشدية وفتوحاتها (خالطها عنف أدى إلى مقتل ثلاثة خلفاء)، ثم تلتها الخلافة الأموية الزاهرة وفتوحاتها، وهي حنين العروبة لرخاء العيش، ثم الخلافة العباسية، وهي حنين العروبة للعلوم والفلسفة.. وأخيراً الخلافة الأندلسية، وهي حنين العروبة للتسامح و"العلمانية".. وشكلت ذروة "الإسلام الحنيف".
لنقل إن "الخلافة الداعشية" هي صورة "الإسلام العنيف" وليست مصادفة أن عناصرها يحملون السيوف ويجزُّون الرقاب بالسيوف، وهي تريد العودة بالإسلام إلى الحقبة الراشدية ـ البدوية ـ الراعوية، رغم أنها بدأت في مراكز الحضر والتجارة (المدينة ومكة).
تدعي "داعش" أنها تريد عودة مجد الإسلام، بحد السيف، لأن دين الإسلام يبدو لها ضعيفاً. هذا غير صحيح. لماذا؟ المسلمون أكثر تمسكاً بدينهم من باقي "الديانات السماوية" في اتباع أركان الإيمان، وأركان الإسلام.
هل نقارن بين كنائس مسيحية شبه خالية في دول الغرب، ومساجد وجوامع عامرة بالمصلين في الدول الإسلامية، أو بين 350 ألف مسلم فلسطيني ـ عربي يؤدون الصلاة في رمضان في الأقصى، وبين مئات من اليهود المؤمنين بدينهم الذين يؤدون صلواتهم أمام حائط المبكى (حائط البراق).
القرآن تنزّل على الرسول باللغة العربية، ويقال: عزّ الإسلام من عزّ العرب.. لكن الدولة والدول العربية ضعيفة، متخلفة في العلوم، واستبدادية تستبدل "دار الندوة" لقريش قبل الإسلام، والشورى الخلافية في الحقبة الراشدية بـ "البيعة"، وتقدم "داعش" بإجبار غير المسلمين، والمسلمين غير السنة، والسنة غير المتبعين لتعاليمها، على الإسلام بحدّ السيف، أو دفع الجزية دون حماية الأرواح في هذه الجزية، ولا الأملاك، ولا أماكن العبادة.
"الداعشية" هي ذروة الإسلام العنيف، وليس بعد كل ذروة إلاّ السفوح (منتهى الشيء مبتداه)، وكسر شوكتها عَبر جيوش الأنظمة، لكن بفعل التناقض الداخلي في الفرق الإسلامية الأقل تطرفاً، وبفعل إنهاء الاستبداد في النظام القومي والقطري العربي.
***
حتى في موقعة صفّين احتكموا للقرآن، وأتباع الحركات الإسلامية الأصولية يفتحون القرآن على أية سورة، ويستشهدون في "الإسلام الحنيف" بسور نزلت في حقبة الإسلام المديني (من المدينة المنورة) أو يستشهدون في الحركات الإسلامية المتطرفة بسور وآيات من الإسلام المكي (من مكة المكرمة).
.. وهكذا، يختلط الإسلام الحنيف بالضعيف بالعنيف؛ ويختلط الدين اليهودي، أيضاً، "بآيات" متسامحة وأخرى عنيفة.
هل ندخل المحظور؟ هناك إصلاحيون إسلاميون يرون غير ما رأى الخليفة الثالث، عثمان بن عفان، حيث خلط السور المدينية بالمكية، وسبّق سورا على سور مخالفاً التنزيل الزمني. إلى هنا نسكت.. فقد لا يجوز لدى المسلمين ما يجوز في تمييز "العهد القديم" اليهودي عن "العهد الجديد" المسيحي.
الإسلام الحنيف يقول: من أصاب فله أجران.. ومن أخطأ فله أجر واحد.
الإسلام العنيف "الداعشي" لا يقول بذلك.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حنيف ضعيف وعنيف حنيف ضعيف وعنيف



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia