حسن البطل
"إن شاء الله ينجح كل طلاّب التوجيهي"؟
"إن شاء الله يرسب ابن أختي في التوجيهي"!
القائل الأول، رئيس نقابة فلسطينية؛ والقائل الثاني، أستاذ ميكانيك في جامعة بيرزيت.. والمناسبة هي بدء امتحانات 87 ألف طالب، وما يهمُّني من هذا الجيش هو أن 53% بالمائة منه إناث... وأما ما يهمُّ الصحف فهو، مثلاً، أن امتحان التوجيهي "يوحِّد شطري الوطن"؟
أفهم دعاء رئيس النقابة، فلما سألت دكتور الميكانيك سبب جوابه على رئيس النقابة، قال إن ابن أخته لا يستحقُّ النجاح، ولم أسأله هل هو طالب في الفرع الأدبي الغلاّب، أم في الفرع العلمي المغلوب، أم في ملحق الفروع الشرعية والمهنية؟
كنت تلميذاً، وصرت أباً لولدين، تخرّجتِ البنت من ثلاث جامعات راقية، عربية وأجنبية، ويدرس الابن هندسة الفضاء في كلية بريطانية، وأنا الذي تخرّج من جامعة دمشق (جغرافيا ـ جيولوجيا) أخذتني الصحافة تماماً في غير اختصاصي الأكاديمي.
في جيلي كان "رهاب" النجاح والرسوب ملازماً حتى في الصف الأوّل الابتدائي، وكانت الامتحانات المفصلية ثلاثة: شهادة "السرتفيكا" لإنهاء المرحلة الابتدائية (خمس سنوات)، وشهادة "البريفيه" لإنهاء المرحلة الإعدادية (ثلاث سنوات).. وشهادة "البكالوريا" لإنهاء الدراسة الثانوية (ثلاث سنوات)، واجتزتها جميعاً، مع الدراسة الجامعية، دون سنة رسوب واحدة.
رغم دعاء رئيس النقابة، فإن نسبة النجاح قد لا تتخطّى نصف تلاميذ الفرع الأدبي، (مع التنجيح)، وأكثر قليلاً تلاميذ الفرع العلمي، وستتولّى الجامعات والمعاهد قبول ربما نصف الناجحين في التوجيهي أو أقل!
عملياً، يتقدم لـ "امتحان" التوجيهي نصف الشعب تقريباً، أي ذوي الطلبة المباشرين، وأيضاً، الأقرباء والأصدقاء، وبذلك فإن "موسم" امتحانات التوجيهي يمسّ الشعب أكثر من "موسم" قطاف الزيتون وعصره، وأيضاً، وفي كل "موسم" يسألني أولاد الجيران عن ملاحق "الأيّام" وعن نماذج أسئلة الامتحانات؟
زوّدني أستاذ الميكانيك بمعلومة مذهلة، وهي أن نسبة النجاح في امتحانات نهاية الدراسة الثانوية في فنلندا تتخطّى الـ 99%. والسبب: برنامج لتوجيه "التوجيهي" هناك جعل امتحانها هو الأصعب عالمياً، لكن النجاح فيه هو الأعلى عالمياً؟
فهمت لماذا هذه الفنلندا، شبه الصحراء الثلجية في أقصى الأرض، صارت "بلاد النوكيا" واقتصادها، كما كوريا الجنوبية بلاد "سامسونغ".. وأما بلادنا فلسطين فهي من كبار مستهلكي منتوجات بلاد "نوكيا" و"سامسونغ".
هناك في وزارات التعليم العالمية برامج ودراسات لتطوير المناهج والامتحانات بما فيها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وحتى وزارة التعليم الإسرائيلية التي تفكّر بتطوير برنامج امتحانات "البجروت".
وزارة التعليم الفرنسية كانت السبّاقة أوروبياً، وربما عالمياً لنسخ تجربة "بلاد نوكيا" وتطبيقها، وهناك التجربة التعليمية الإيرلندية، التي نقلت "بلاد البطاطا" من مؤخرة دول أوروبا إلى الطليعة في علوم التكنولوجيا بعد خطة منهجية من عشرين سنة دراسية (مدرسية وأكاديمية).
في نهاية دراستي المدرسية السورية، بدأت وزارة التعليم هناك في خطة لقلب أولويات فروع الدراسة الثانوية إلى الدراسة العلمية، علماً أن خريجي كلية الطب السورية، وهي معرّبة، يتفوقون في مستواهم على باقي خرِّيجي كليات الطب العربية، التي تدرس العلوم باللغة الإنكليزية!
كنت أعرف، مثلاً، أن كوريا الجنوبية كانت، قبل أربعين عاماً، وفي عهد الدكتاتور نغوي نديم أكثر تخلفاً حتى من السودان، وليس من مصر وسورية والعراق، لكن لم أكن أعرف أن فنلندا كانت، قبل ثلاثين سنة، بلاداً صقيعية فقيرة تصدّر للعالم جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
صحيح، أن الفلسطينيين كانوا في الطليعة العربية في ميدان التعليم، وكذلك أن برنامج "توطين" المنهاج نجح بعد تطبيقه بستّ سنوات.. لكن نحتاج "ثورة" جديدة في المنهاج المدرسي ينقل الكمية (ثلث الشعب على مقاعد الدراسة) إلى النوعية.. وهذا يتطلب، أولاً إعداد (ضباط) هذا الجيش المدرسي، أي إعداد المعلمين القادرين على قلب المنهاج المدرسي، وهذه مهمة ليست بسيطة، نظراً إلى رواتب المعلمين المتدنية.
في بريطانيا، اكتفوا من حملة الشهادات العليا، وهم يركزون الآن على إعداد اختصاصيين تطبيقيين في الاختصاصات المهنية العملية، للخروج من "بطالة الأكاديميين" التي وصلت نسبتها في إسبانيا إلى أكثر من نصف الأكاديميين.
خبر أخير ذو مغزى: اخترع الصينيون أسرع جهاز حاسوب في العالم، يتفوق على نظيره الأميركي في وزارة "البنتاغون".
ومن ثم؟ تقول إسرائيل إن السلام مع الفلسطينيين لن يكون قبل أن يصبحوا "فنلنديين" مسالمين وليسوا فنلنديين في التعليم!
... وما زلنا في طليعة الشعوب الإسلامية في تحفيظ وتجويد القرآن الكريم؟
نقلا عن جريدة الايام