تابلو على الحاجز

"تابلو" على الحاجز

"تابلو" على الحاجز

 تونس اليوم -

تابلو على الحاجز

حسن البطل

لوحة أولى
يرقص الدخان، رقصة اغواء حرة، مع السيدة ريح؛ أو يرقص السيد الدخان، ثملاً في الريح. تدعوك هذه الرقصة، على الحاجز، أو تقودك من خيشومك إلى شواء من كباب (على الماشي)، أو شواء من لحم الحساسين. بخار سماور الشاي يرقص أيضاً، ولكن رقصة البكر أو المبتدئ، وبخار شفيف راقص من حلة بائع الذرة المسلوقة.

"سرحان يشرب القهوة".. في الكافتيريا، ومحمد وأحمد ومحمود يشربون الشاي، القهوة.. يأكلون عرانيس الذرة.. كأنهم، في حلقات حول دخان الشواء، سماور الشاي، مثل ملائكة.. لكن الدخان، في رقصته، لا يرسم هالة الأنبياء والقديسين فوق هاماتهم.

إنها "سوق الحاجز"، خاصة في غدوة الصباح إلى المدينة؛ وفي أوبة الرواح إلى القرية يتحلقون حول بسطة خضار؛ حول بسطة سكائر غير مجمركة.. أو حول بسطة من سراويل الجينز الآسيوية الرخيصة.

وحدها مظلات واقية من المطر، تعطي زهواً لونياً، يخفف من كآبة اللونين الأسود والرمادي الطاغيين على كسوة الناس في فصل الشتاء. تصهل سيارات "الفورد ترانزيت " نافثة في الخياشيم دخانها الأسود المقيت. الكل يصيح على الكل منادياً. الكل ينادي على الكل.. فهناك (40) قرية تستلم سكانها من على الحاجز مساءً، وتسلمهم، سيراً على الأقدام، إلى الحاجز الآخر.. صباحاً. فجأة، ينتفض جنود الحاجز المتكئون على مجنزرتهم الفولاذية، من رتابة الكسل، وبلادة السؤال الموجه، عشوائياً، الى المارة، أو قصداً إلى المارة من الشباب.

فجأة، تنفضّ حلقات الناس من حول دخان الشواء اللذيذ، بخار الشاي الساخن. يلقي جندي قنبلة، أو اثنتين، أو ثلاث من قنابل الغاز. إنه يتدرب، إنه يلهو.. أو انه " يتراذل" ضاحكاً، عندما يتراكض الطاعنون في السن (نساءً ورجالاً) أو شباب وبنات في ميعة الصبا، يحملون، فقط، كراريس المحاضرات، أو على مناكبهم تلك الحقيبة الخفيفة المميزة لطلاب جامعة بيرزيت. "سرحان يشرب القهوة" في الكافتيريا؛ ولكن لم يشربها ممزوجة برائحة الغاز المسيل للدموع.

لوحة ثانية
هل ولد بعض المارة، الذين طعنوا في السن حتى أرذل العمر، قبل "وعد بلفور" أو بعده؟ الذين ولدوا قبل النكبة، أو بعدها تحملهم أقدامهم من الحاجز إلى الحاجز، والذين ولدوا، قبل النكسة الحزيرانية أو بعدها، تقوى أقدامهم على الهرولة.. والذين ولدوا قبل الانتفاضة الأولى أو بعدها يركضون في رشاقة السهم والرمح.

ختيارة في أرذل العمر لا تقوى وقوفاً على قدميها الواهنتين. 

يحملها"النشامى" من مواليد "النكبة" و"النكسة" إلى وسيلة نقل تناسب أرذل العمر: مجرد صندوق من الحديد فوق أربعة دواليب من المطاط (غالباً دواليب دراجات هوائية). إنها تقعي في جوف عربة حديدية، أشبه بعربة جمع القمامة، أرذل العمر في أرذل وسيلة نقل!

شاب ولد في عام ما بين زمني النكسة والانتفاضة الأولى يجر العربة، على مهل، من الحاجز الى الحاجز، لقاء عشرة شواكل.. لا فرق بين "نقلة" بضاعة من حاجز إلى حاجز، و"نقلة" عجوز في أرذل العمر.. وفي أرذل وسيلة نقل.

لسبب ما، قد يكون هاجساً "أمنياً"، أو قد يكون سايكولوجياً بدواعي التشفي، جعل الجنود طول فسحة الحاجز إلى الحاجز حوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر. لكن صعود "الطلعة" يقطع أنفاس الكبار.

سيارات الاسعاف "تصيح" على الجميع. شباب عربات النقل يصيحون على السيارات.. والعجوز، في قفصها الحديدي، لا تصيح على أحد!

لوحة ثالثة
هناك قانون اسمه "الخوف من الخوف" إنه احد قوانين علاقة جنود الحاجز بالمارة؛ وعلاقة سيارات نقل الركاب بمجنزرات الجنود.

بعد "مجزرة الخميس"، الأسبوع الماضي، راحت المجنزرات "تلف وتبرم" وحتى "تشفط" في الطريق من حاجز سردا الى بلدة بيرزيت. الخائف مخيف. هذا قانون أيضاً، والعجيب ان الجنود يخافون المارة؛ والمجنزرات تخاف سيارات نقل الركاب.. كل اختلال في معادلة "الخوف من الخوف" محمل بخطر الموت عبثاً!

الخوذة وسترة واقية من الرصاص تخاف انفجار اللحم العاري الفلسطيني. والمجنزرة وحتى هذه "الميركافا ـ 3" يخاف فولاذها صفيح سيارات نقل الركاب.

في الطريق الخالية عادة، كل يوم جمعة، بين حاجز سردا وبلدة بيرزيت، وفي يوم متوتر أيضاً، يصادف يوم جمعة "ثلث "الخميس الأسود"، كان سائق السيارة الصفراء يسابق الريح أو ينهب الطريق.

.. فجأة، وفي منعطف ما، لاحت تلك "القملة" الفولاذية العملاقة، أو مجنزرة M x 13. تمهل السائق.. وترك "مسافة أمان" لا تقل عن 300متر.

إنه قانون سير جديد اسمه "الخوف من الخوف". خوف الجندي المرتدي سترة مضادة للرصاص من حزام ناسف تحت سترة المواطن. خوف فولاذ المجنزرة مما في جوف عربة من صفيح. وحده الدخان لا يخاف من الريح. وحدها الريح ترقص مع الدخان.. وحده الجندي الذي تدغدغه رائحة الشواء يستثار فيلقي قنبلة من دخان! 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تابلو على الحاجز تابلو على الحاجز



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia