بيان من 260 مثقفاً عربياً

بيان من 260 مثقفاً عربياً

بيان من 260 مثقفاً عربياً

 تونس اليوم -

بيان من 260 مثقفاً عربياً

حسن البطل

يثير توسع "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في سورية والعراق علامات استفهام كبيرة حول مستقبل المشرق العربي، ومخاطر أن يصير الإقليم معرضا عالميا لفشل الدول والمجتمعات، وفشل الدين أيضاً. فما نراه من نهوض لقوى العشائر والقبائل الحاملة لواء "الدولة الإسلامية..." والمدعومة من "جهاديين جوالين" جاؤوا من مشارق الأرض ومغاربها، لا يهدد بتفكيك بالغ الدموية للكيانات الوطنية التي تشكلت من انهيار السلطنة العثمانية فقط، وإنما يتخطاه إلى تقويض كل أشكال الاجتماع والحضارة، والإيمان ذاته، في بلادنا.
ومهما قيل عن الجهات الإقليمية والدولية المستفيدة من هذا الحراك في العراق وسورية، وبغض النظر عن محاولات استغلال الظاهرة هذه لخدمة جداول أعمال استراتيجية أو بناء توافق غربي – إيراني جديد على حساب شعوب المنطقة، فإننا نرى في الزخم المتزايد لأنصار التدين الجهادي ومساعي بناء سلطة تقوم على الشرعية الدينية، في رؤية شديدة الضيق للدين ذاته، خطرا داهما على شعوب المشرق العربي وحقوقها في الحرية والعدالة والسلام.
وهذا الحكم الديني في جوهره مطحنة للبشر، وآلة استعباد منفصلة عن عالم العمل والإنتاج، تؤسس لحكم عنصري فائق النخبوية، "فاشي" في معاملته للعامة، لن يلبث أن يراكم السلطات والثروات في أيدي حفنة من القادة المحميين بالمقدس. هذا الكيان صريح في عدائه المبدئي للحرية والنساء والجمال والتعليم الحديث، طفيلي اقتصاديا، وعدواني في الداخل والخارج. وهو تأسيس لنظام استعباد، يمتلك السكان والأرض والثروات ولا يكتفي بالحكم، ويفرض بالقوة مثالا غريبا عن السكان المحليين، ويقتلهم إن لم يوالوه.
وما كان لمناطق متسعة من العراق وسورية أن تشكل مجال انتشار لنظام العبودية هذا لولا أن البلدين تعرضا لتجريف اجتماعي وثقافي مديد، وخلق نظاماهما البعثيان، ثم نظام ما بعد إطاحة صدّام حسين في العراق في 2003، فراغا سياسيا وقيميا حوّلهما على أسوأ ما يكون التحويل، ثم مارسا أشكالا فاجرة من التمييز والعدوان على محكوميهما. في سورية بالذات نظام استعباد، يملك البلد والسكان، ويورثهما سلاليا، ويثابر على قتل محكوميه الثائرين وتدمير بيئات حياتهم منذ نحو 40 شهراً، أمام أنظار العالم كله. وفي العراق نظام حاول ويحاول الاقتداء بالغريزة الاستئثاريّة والتملّكيّة للنظام السوريّ(...).
(...) وإلى جانب "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة" وأخواتها، تأتي جحافل "عصائب أهل الحق" وألوية "أبو الفضل العباس" وفرق "حزب الله" وغيرها، لتشارك في المذبحة وفي إعطائها عمقا تاريخيا وميثولوجيا، يجعل منها رفيقنا لأجيال قادمة. وعلى هذا النحو يكتمل مشهد الانقضاض على الثورات الشعبية التي تطالب بالحرية والعدالة والمساواة، وعلى الجماعات الأصغر المفتقرة إلى الحماية، وعلى مبدأ الدولة والصالح العام، في حرب مذاهب وعشائر وإثنيات لا نهاية لها ولا أعراف فيها.
فـ"داعش"، في هذا المعنى، انتصار ساطع لـ"الممانعة"، ولمقولتها الضمنيّة من أن هذه المجتمعات لا تستحق الحرية ولا العدالة ولا المساواة ولا حتى الشفقة. وهم فوق ذلك يوفرون ذرائع للنظام الإيراني التوسعي كي يتمدد في المنطقة وينصب أسوار حمايته خارج حدود إيران، عاملين على تفجير حرب طائفية تدمر هذه المنطقة وتجهز على كل وعود الثورات العربية. ثم إنهم يوفرون شرعية إضافية لإسرائيل فوق ما كان نظاما العبودية البعثيان وفراه لها، ويضعون الكفاح الفلسطيني في مواقع أشد عزلة وأدنى شرعية.
هذا اللعب الخطر بالدين وتوظيفه في مشروع إقامة سلطة استعباد لا أفق لغير العدم والظلام فيها، حيث لا اقتصاد ولا تعليم ولا ثقافة ولا فن ولا اجتماع ولا بهجة للعيش ولا كرامة للإنسان، ولا احترام بين الناس، ناهيك عن انعدام الحريات العامة والفردية، إنّما هو تهديد جدي لكل ما حاول بعض العرب المستنيرين تشييده في القرن ونصف القرن الماضيين في مسعاهم للنهوض والتحرر والمشاركة في صنع عالم اليوم.
إننا، نحن الكتّاب والصحافيّين والأكاديميّين والفنّانين والمثقّفين الموقّعين أدناه، إذ نتمسك بكل القيم الانسانية التي أقرها الضمير الإنساني الحديث، ننبّه إلى عمق الهوّة التي تدفع حركة الردة الدينية والسياسية هذه مجتمعاتنا وشعوبنا اليها. وندعو مواطنينا أولا، والمؤمنين بحرية الإنسان والمساواة بين الناس في كل مكان، إلى مشاركتنا الكفاح ضد القتلة القدامى منهم والجدد، والعمل من أجل الحرية والعدالة في بلداننا، وفي منطقتنا، وفي العالم.
ملاحظة: تم حذف فقرة إخبارية ـ تقريرية.

 

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيان من 260 مثقفاً عربياً بيان من 260 مثقفاً عربياً



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia