هاكم جديداً في المطبوعات الثقافية ـ الفكرية، هي فصلية، كما معظم المجلات، لكنها غير شكلاً وموضوعاً!
شكلاً، الحجم غير، فهي اختارت القطع الكبير، والإخراج الفني المميّز كذلك جديد، وحتى الخطوط.. والأهم، أنها تأخذ من المجلة المصوّرة ملفاً بعضه صور بارعة ومختارة للتصوير الفوتوغرافي، وبعضه الآخر يأخذ من الملصق (البوستر) الشعار المباشر، مزيجاً من الفصحى والمحكية.. من الناس للناس!
الموضوع، أيضاً، غير. هذه الفصلية شعارها "لكل فصول التغيير": السياسي، الشعبي، الثقافي، وهي تواكب هذا "الربيع العربي" منذ عددها الأوّل إلى عددها الـ12 خريف وصيف العام 2015 .. عشرة أعداد!
"الثورات بشبابها" وهذا الربيع بـ "حراكه الشعبي"، وفي صورة مختارة لشاب في حراك الشوارع على صفحتها الأولى ما يشي، صراحة، بهُويّتها "حرية، علمانية، عدالة اجتماعية".
لماذا وكيف؟ رئيس التحرير، فواز طرابلسي، قادم من يسار ماركسي ـ وطني إلى ثقافة وفكر هي وجهه اليساري العلماني الشعبي.. ولكن ليس بالخطاب والمعالجة النظرية، بل مع نبض الشارع أو "ثقافة الناس للناس" اجتماعياً، وفكرياً.. وإبداعياً!
عشرة أعداد فصلية، جعلت "بدايات" ترتقي سُلَّم الدرجات سريعاً لتكون، على ما أرى، أكثر الفصليات الثقافية ـ الفكرية العربية قيمة.. وأيضاً، ريادية في تناول موضوعاتها.
كيف تتناول موضوعاتها؟ ريبورتاجات وحتى يوميات كما في ملفها الرئيسي للعدد الأخير عن الحراك الشعبي، هذا الصيف في العراق ولبنان ضد الفساد، وهو حراك لا طائفي، ولا حزبي، ولا ديني في بلدين واقعهما السياسي والأمني طوائفي وحزبي، ويشمل هذا التفاتة مسهبة، أو فصولاً من ليليات صنعاء، حيث اليمن بين مطرقة القصف الجوي للتحالف وسندان الميليشيات. كتابة حيّة وتناول حيّ وساحر.
شعار حراك الشارع الشعبي العراقي في الصيف هو: "باسم الدين باعونا" واللفظة الأخيرة تعني "سرقونا". شعار الحراك الشعبي اللبناني في الصيف هو: طلعت ريحتكم" ومن شعاراته: "شيلو الزبالة من الشارع. هم الزبالة نحن الشارع" و"مواطن وليس متواطئ".
ليست المقالات كلها بأقلام عربية، فهناك واحد للغوي نعوم تشومسكي عن "أسئلة غير مطروحة" في الاتفاق النووي الإيراني، وآخر عن "مسرح الحي الشعبي" في مدريد لحركة "بوديموس" وشعارها: "إننا نستطيع".
ماذا عن فلسطين؟ دراسة للباحثة في المتحف الفلسطيني يارا سقف الحيط، عن الحيّز والفراغ المعماري في رام الله.
ملف العدد الأخير عن "مجاعة اللبنانيين في الحرب العالمية الأولى" التي أهلكت ثلث سكان جبل لبنان، ومعظمهم من المسيحيين، أما الدروز فقد استعانوا بخيرات حوران.
هل كانت المجاعة تعود إلى حصار الحلفاء البحري للبنان أم تعود إلى سياسة جمال باشا. وقائع، شهادات، كُتب، وصور، وشعر، أيضاً، لميخائيل نعيمة وسواه، ورسالة من جبران خليل جبران إلى صديقته ماري هاسكل.
في زاوية "ن والقلم"، أو الملف الثقافي ـ الأدبي، هناك فصل من رواية إلياس خوري الجديدة، واختار المؤلف للرواية عنوان "أيتام الفيتو" لكن بعد صدورها عدّل العنوان إلى "اسمي آدم"، وهي كما يبدو تتمة لروايته "باب الشمس" عن فلسطيني في نيويورك يبيع الفلافل الشهيّة، ويبدو كإسرائيلي. أيضاً، قصيدة طويلة من 28 مقطعاً لإيثل عدنان.
في الأخير، هناك الموسيقى تحت عنوان "نهاوند" عن "الهيب هوب العربي" وتأثّره بالثورات العربية منذ أوائل 2011، للباحث في الأدب المقارن زياد الدلاّل، في جامعة نيويورك.
شبكة توزيع المجلة واسعة تشمل 9 بلدان إضافة إلى لبنان (في فلسطين توزعها مؤسسة الأيّام).. فاطلبوها من "مكتبة الجعبة". وكما في كل مجلة ثقافية، فإن "بدايات" متعسّرة مادياً، ولذا أطلقت في آخر أعدادها حملة اشتراكات وتبرعات لتعينها على تمويل ذاتي لنفسها حتى الآن "نداء لنصرة هذا الجهد في الصحافة اليسارية المستقلة بالقراءة والكتابة والترويج، وأيضاً بالمساهمة من أجل أن تبقى "بدايات" في الطليعة!