«السماء بعيدة عن أرضها»

«السماء بعيدة عن أرضها» !

«السماء بعيدة عن أرضها» !

 تونس اليوم -

«السماء بعيدة عن أرضها»

حسن البطل

أمس، صباحاً، لفيف من عجائز أمام خارطة كبيرة للمدينة، على حيط خلف ست أشجار من النخيل العاقر والسامقات، في أيديهم وعلى مناكبهم ما يدلّ على أنهم سُيّاح عابرون.
«وقفة سياحية» خلف ما كان ويكون، عادة، وقفات تضامن احتجاجي أو تآزري. لا أحد يقف هذا الصباح، ويربط جذوع الأشجار «نائب فاعل» هو يافطات تضامن مزينة بالشعارات وشيء من الشعر، وشيء آخر من الرسوم.
رجال لفيف العجائز بعضهم بالشورتات، ويتشاورون في وسط هذه «المنارة» أين يذهبون في هذه الغابة المدينية الصغيرة، المسماة رام الله.
بعيداً قليلاً، الفلاحات القرويات يفرشن ثمار فواكه الخريف وخضراواته: تين متأخر، عنب متأخر قليلاً، لعلّه حصاد آخر الموسم، لكن في تلك القرنة المعتادة، على بوابة «الحسبة»، ما لا يُحصى من شوالات ملأى بحصاد الزيتون، وبضع ماكينات للرصرصة.
السماء زرقاء. الشمس مشرقة، بل ساطعة، بل نوّة مطرية هلّت وفلّت. في أماكن أخرى، سيارات الـ 7 + 1 الصفراء نصف الرباعية، تزقّ الركاب من وإلى المدينة هم وحوائج حياتهم.
هذه حال المدينة، في اليوم الأول من الشهر الثاني لعصيان ثالث شبابي على خطوط تماس المدينة ـ المدن مع الجنود والمعسكر والمستوطنة.
في الانتفاضة الأولى، في شهورها الأولى، وسنتها الأولى، قالوا: صارت نمط حياة، مرّت عليها «نوّات جو» وفصول سنة ـ سنوات.. «نمط حياة».
لكن، ساحة المدينة تجري فيها الأمور في مجراها المعتاد؛ وعلى خطوط التماس تجري الأمور كما ترون في الفضائيات وكما تقرؤون في صحف تبقى «بائرة» في أكشاكها غالباً.
اليوم ليل ونهار، ونهار الشباب نصفه في المدارس والجامعات، ونصفه الآخر في الميدان. قالوا: انتفاضة ثالثة (شبابية هذه المرة) قالوا: هبّة.. وفي يومها الأول من شهرها الثاني سنقول: عندما تجري الأمور في مجاريها: مجرى الحياة قلب المدينة، ومجرى لخطوط تماسها: إنها «نمط حياة» حجارة ومقاليع وسكاكين وشهداء ورصاص، وإطارات مشتعلة وقنابل غاز وصوتية.. وأعلام ومجرى حياة مواز: سُيّاح عجائز وقرويات هن الكنعانيات وموسم قطاف آخر لثمار «الشجرة المباركة».
الانتفاضة الثالثة «موضعية» على خطوط التماس، لكن مواقعها تشمل كل خطوط التماس. في/من القدس كانت الشرارة، صارت بؤرة، انتقلت البؤرة إلى سائر المدن، سائر المناطق، سائر شباب الشعب.
في مقاهٍ لا حصر لعددها، يدور سجال لا حصر لمواضيعه: أين السلطة من هبّة الشباب؟ يذكرني هذا ببداية العمل الفدائي وسجال: مكانة العفوية من التنظيم.
والآن مكانة الفصيل من الهبّة، ومكانة القيادة الموحّدة للانتفاضة (ق.و.م) من تأطير نشاطات الانتفاضة: يوم غضب. يوم إضراب. يوم تشييع الشهيد.. وحتى في بيانات (ق.و.م) عن «التحية.. كل التحية لتجّارنا البواسل» في الإضرابات المقرّرة. هاهم «بواسل» في غير الإضرابات؟
«نمط حياة» بين انتفاضة وتاليتها. في الأولى كتبت في المجلة المركزية من قبرص: «حرب الاستقلال» فقال شمير: حرب؟ إذاً سنخوضها في الحرب كما في الحرب.. وفي الثانية، خاضتها السلطة حرباً.. وإسرائيل حرباً.
في الأولى انتصرت الانتفاضة سياسياً، وفي الثانية انتصرت إسرائيل عسكرياً على «سلطة ملوّثة بالارهاب».. لكن من سينتصر على جيوش المنطقة لن ينتصر على شعب فلسطين. هذا شعب لا ينكسر، لكن إن خاضتها السلطة حرباً ثالثة سوف تنكسر.
عرفات يقود انتفاضة مسلّحة، وأبو مازن يقود انتفاضة سياسية. الأول كانت سلطته «ملوّثة بالارهاب» والثاني صارت سلطته «ملوّثة بالتحريض»، وهم ملوّثون بلوثة الاحتلال والاستيطان... وبالكذب الفاضح على التاريخ وعلى الواقع، وعلى المستقبل، أيضاً.
كان «المفتي» ملوّثاً بـ «المحرقة» وصار عرفات ملوّثاً بالارهاب و»اللا شريك» ثم صار أبو مازن ملوّثاً بالارهاب السياسي وفوقه بالتحريض.. واللا شريك!
منذ خبو الانتفاضة الثانية، اندلعت شرارة بلعين، قال من له نظر بعيد في إسرائيل ما قاله الشاعر القديم: «أرى خلل الرماد وميض جمر/ ويوشك أن يكون له ضرام».
علماء المناخ يشغلهم دورة «النينو» و»النانو» وفي إسرائيل هناك ما يشغلها: دورة انتفاضة تليها دورة «هل الثالثة ثابتة» لا، ولو صرخت إسرائيل كما صرخ الراعي: «ذئب. ذئب. ذئب» يريد افتراس الدولة اليهودية، وليس إقامة الدولة الفلسطينية «بدنا دولة وهُويّة».
سأذهب هذا المساء لقراءة أخرى لقصيدة درويش: حجر كنعاني في البحر الميت. إنها تختصر ليس صراع المائة عام، بل صراع آلاف السنوات: «الأنبياء جميعهم أهلي/ ولكن السماء بعيدة عن أرضها، وأنا بعيد عن كلامي».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السماء بعيدة عن أرضها» «السماء بعيدة عن أرضها»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:04 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القثاء المرّ لعلاج السكري على الفور

GMT 03:59 2013 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

"HP" تطلق أول حاسب يعمل بنظام التشغيل "كروم"

GMT 07:24 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مبهرة من التنورة "الميدي" للمسة أناقة في الشتاء

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 11:13 2016 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

لسان عصفور بالبارميزان و الريحان

GMT 22:55 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحات شعر أنيقة للمرأة العاملة

GMT 20:42 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

جماهير الأهلي تخلد ذكرى خالد قاضي في المدرجات

GMT 22:52 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

البشير يقيل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني

GMT 14:56 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تؤكد أن لبنان يعاني ويلفظ آخر أنفاسه بسبب كورونا

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة مبتكرة لوضع "الماسكارا" للحصول على رموش كثيفة

GMT 10:40 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

طريقة إزالة طلاء الأظافر عن المفروشات الجلد والعناية بها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia