مسيحيو لبنان النأي بالنفس عن صراعات المسلمين

مسيحيو لبنان: "النأي بالنفس" عن صراعات المسلمين

مسيحيو لبنان: "النأي بالنفس" عن صراعات المسلمين

 تونس اليوم -

مسيحيو لبنان النأي بالنفس عن صراعات المسلمين

علي الأمين

ربما زاد في إغراء حزب الله بالقتال في سورية تراجع الأصوات المنادية بعودة مقاتليه إلى لبنان، المطالبة بالتزامه سياسة النأي بالنفس التي كانت الحكومة اللبنانية أعلنت التزامها بها منذ رئاسة نجيب ميقاتي. ولسان حال خصوم حزب الله داخل الحكومة أنّ الحرب السورية طويلة ولن تسمح بانتصارات حاسمة. يضاف إليها اطمئنانهم إلى أنّ الرئيس بشار الأسد لن يبقى رئيسا في مرحلة التسويات. وساهم انطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في تحييد هذه الاشكالية، بإحالتها إلى مرحلة لاحقة تقرّرها المسارات الاقليمية بشأن الأزمة السورية.

على أنّ السيد حسن نصر الله، وهو يقول إنّ مقاتلي حزبه موجودون في العراق أيضاً، اعتبر بعد إعلانه عن "الحدود المفتوحة" في مواجهة الإرهاب، أنّ مصير لبنان يُقرّر في هذا القتال، وأنّ الدول القوية هي من تخرج من حدودها لتقرّر مصيرها، ناسباً خروجه من الجغرافيا اللبنانية باتجاه سورية والعراق على أنّه خروج من أجل مستقبل لبنان. من غير أن يشير إلى أنّه في أحسن الأحوال قائد فصيل مقاتل داخل فيلق القدس، لا رأي للبنان ولا للبنانيين في استراتيجيته ولا في تكتيكاته، لا على أرض لبنان ولا خارج حدودها.

بعفوية وببساطة وبصدق فإنّ إحدى المعجبات بشخصية السيد حسن نصرالله من اللبنانيات المناصرات للعماد ميشال عون قالت، وهي المثقلة بالخوف على مستقبل مسيحيي الشرق ومصيرهم: "بتّ أخاف على مستقبل لبنان، سواء انتصر حزب الله والرئيس بشار الأسد، تماماً كخوفي من نتائج هزيمة حزب الله وسقوط الأسد". وأكملت من دون أن تنتظر سؤال من تخاطبه: "أخاف إذا انتصر حزب الله عمّا سيحمل معه إلى لبنان وأيّ لبنان سيرضي انتصاره وكيف سيصفّي حساباته والأسد مع من عارض قتاله في سورية. وأيّ لبنان الذي سيكون على صورة حزب الله. أما إذا انهزم حزب الله والنظام في سورية فماذا سيكون عليه الحال في لبنان وأيّ مصير سينتظرنا؟ هل سيلحق لبنان بسورية؟ أو ستبدأ حرب داخلية لبنانية عنوانها تصفية الحسابات؟".

قد يرى البعض في هذه الهواجس أو المخاوف لدى مواطنة لبنانية مسيحية ما لا يستحقّ التوقف عنده. لكنّها تعبّر عن قلق المجموعات اللبنانية على اختلاف توجّهاتها، وتعارض مصالحها، وعن خوف الأقليات الوجودي، في زمن سقوط الخيارات الكبرى ضمن مركز الثقل العربي المستند إلى الأكثرية السنية، وسقوط المشروع القومي والعجز عن الانخراط في العولمة، وغيرها من التحديات الحضارية...

الأداء الأقلوي هو الذي يطغى على الخطاب السياسي المسيحي. فالحرارة القديمة تجاه فكرة الدولة بردت لصالح فكرة "نحن جماعة مستهدفة في وجودها". فمنذ لحظة سلخ المارونية السياسية عن الدولة بعد اتفاق الطائف، أخذ يضعف مفهوم الدولة عند الجماعة المسيحية، وانحسر ولاؤها للدولة، إلى درجة ولائها لأسباب "وجودها" فقط. فبات خطاب المتصارعين على الضفتين المسيحيتين هشٌّ دينياً، على عكسه لدى الأطراف المسلمة وأكثر طائفية من الخطاب الطائفي المسلم. وهذا يعبّر عن حسّ أقلويّ أكثر ما يبرز في الرغبة بالهجرة وترك البلد.

وعلاقة المسيحيين مع حزب الله لم تنشأ على قاعدة مواجهة الهيمنة الأميركية أو الغرب في المنطقة، ولا على قاعدة تحرير القدس وإنهاء المشروع الصهيوني بالمنطقة. فالعماد ميشال عون، بعدما تبنّى خطاباً لبنانياً مع مشروع الدولة بمواجهة الوصاية السورية خلال منفاه الفرنسي، عاد إلى لبنان ليتبنّى خطاب الهوية وسلوك الأقلية المعنية بحماية نظام مصالحها الخاصّ. واقترابه من حزب الله لم يتأسّس على مشروع تحرير القدس وعلى أسس نظام الممانعة، بل نتيجة شعور متبادل لبنانياً بأنّ الاقليات في المنطقة يجب أن تتساند.

تورّط حزب الله في الحرب السورية كشف خزّان طاقته للتعبئة الدينية، ما أقلق بعض المسيحيين، خصوصاً النخب، إذ كشفت كم أنّ العنوان الديني هو أساس الهوية الأقلوية لدى حزب الله. فيما المسيحيون ليسوا كذلك. فالخطاب السياسي المسيحي ليس معبّأً دينياً لكنّه خطاب طائفي مهجوس بمصير الجماعة المسيحية وليس بالرغبة في إبادة غيرها والحكم من خلال الخطاب الديني... لذا راح الموقف من سورية وأزمتها يغيّر في العلاقة بين حزب الله وحلفائه المسيحيين. فالموقف المسيحي هنا يذهب نحو الحياد أكثر، مشوب بقلق، ويسعى إلى أن يقف على مسافة واحدة بين المتنازعين.

أزمة الأقليات في المنطقة وارتباكها يعبّر عنه المسيحيون اللبنانيون اليوم، الذين دخلوا في مرحلة انعدام وزن، خلال لحظة أزمة الثقل السنّي العربي الذي يعيش صراعات في داخله، بين خيارات كبرى في بنيته الاجتماعية والسياسية والفكرية هي وحدها من يرسم صورة المنطقة العربية وخياراتها. ولهذا فإنّ المسيحيين اللبنانيين اليوم أخذوا يبتعدون عن خيارات حزب الله الإقليمية، وعن خيارات خصومهم وعن "مناصرة" حزب الله أو تيار المستقبل. وباتوا أقرب إلى خيارات الدروز، المنتظرين على ضفّة النهر الإقليمي.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيحيو لبنان النأي بالنفس عن صراعات المسلمين مسيحيو لبنان النأي بالنفس عن صراعات المسلمين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia