في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية

في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية

في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية

 تونس اليوم -

في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية

علي الأمين

نسخة صالحة للطباعة نسخة صالحة للطباعة نسخة نصية نسخة نصية أرسل إلى صديق أرسل إلى صديق

ليس من معنى لنهضة الامام الحسين في كربلاء يتفوق على معنى الوقوف في وجه الظلم، بما هو رفض للاستسلام له من اي جهة اتى، ودعوة للتحرر من قيوده. ذلك ان الحسين واصحابه كانوا يرفضون مبايعة يزيد لخلافة المسلمين، كونه رفض ان يقبل من الحسين غير المبايعة او فالقتل.

ازاء هذه المعادلة، التي فرضت على الحسين وصحبه، لم يكن أمامه من خيار سوى التصدي، خصوصا انه هو من تنظر اليه الناس كإمام زمانه وامتدادا لسيرة جده الرسول وابيه الامام علي. وهو الذي قال فيه جده الرسول انه واخيه الامام الحسن هما "سيدا شباب اهل الجنة". بهذا المعنى كان لمبايعة الحسين ليزيد تأثير كبير ليس في ذاك الزمن فحسب، بل على امتداد عمر البشرية، لما سيشكل هذا الموقف من رجل مُبَشر بالجنة، قاعدة تُبنى عليها المواقف لاحقاً، وتستند اليها.

فلو بايع الحسين يزيد، المتفق بين المسلمين على ان شروط الخلافة لا تنطبق عليه لسيرته وسلوكه السيئين ولظلمه وتهتكه، لأصبح ذلك أمراً مشروعاً سيستند اليه أمثال يزيد في سيرة الاسلام اللاحقة، لتبرير ظلمهم عبر تسييجه بشرعية دينية وفق سابقة الحسين. حينها ما يمنع ان يقرّ بشرعية السلطة الظالمة لمن هم دون الحسين في الاستقامة وفي التزامه برسالة الاسلام.

من هنا اكتسب موقف الحسين. هذا الزخم التاريخي، إذ شكلت نهضة كربلاء، باعتبارها حركة اصلاحية في تاريخ الاسلام، مصدر الهام لكثيرين خرجوا على السلطات الظالمة في الحقبات التاريخية اللاحقة. ولأن نهضة الحسين ذهبت الى تثبيت البعد القيمي والجوهري لدور الدين في حياة الناس، فقد تجاوزت البعد المتصل بجموع المسلمين، لتتحول الى نموذج انساني أثر في كثير من ابناء الديانات والعقائد غير الدينية، تأثيرا تجاوز الدائرة المذهبية، بل الدائرة الدينية، بسبب انحيازه لقيم انسانية خالصة تتمثل في الايثار والتضحية والشجاعة والعدل ورفض الظلم والصدق، والانحياز للمبادىء الواضحة ورذل الاغراءات في سبيل تحقيق المبادىء.

في المقابل ظلت ثورة الحسين في احيان عديدة عرضة للاختزال والتشويه ضمن محاولات مصادرتها بعناوين عصبية او فئوية، لتحولها الى طاقة سلبية في عملية الاصلاح السياسي والاجتماعي والديني. فالحسين لم يقاتل بعصب القبيلة ولم يستنفر غرائز الناس بل ذهب مباشرة في خطابه الى عقولهم ووجدانهم وايمانهم. لم يعمد الى رشوة الناس ولا الى بناء حلف قبلي، بل خاطب الناس كأفراد ووضعهم امام خيار الانحياز الى الحق او السير في ركب الفساد والعصبية الجاهلية واغراءات السلطة الأموية.

لذا فالنهضة الحسينية، في انحيازها الى العدالة والاصلاح ورفض الظلم، هي بالضرورة تنبذ العصبية القبلية والمذهبية كمحدد لمعيار الحق والعدل والحرية، والاّ لماذا لم يستطع حفيد الرسول ان يجتذب الى خياره اكثر من بضع عشرات هم من وقفوا معه حتى الرمق الأخير؟

فالحسين لم ينقصه النسب ولا عصبية بني هاشم، ولا مقامه العالي في المجتمع، ولا الذكاء، وبالتالي كان يدرك انه في مواقفه وخطواته يؤسس لنهضة في تاريخ البشرية وليس في مسار الاسلام فحسب. ورغم الفاجعة التي جعلته شاهداً على مقتل كل فرد من اهل بيته واصحابه في كربلاء، لم تهتز قناعاته ولا عزيمته ولا اغرته السلامة التي كانت تعرض عليه بشرط المبايعة، كلما ودع فلذة من فلذاته.

الانحياز لقيم العدل والحق الى غايات الدين ومبادئه، الى الانسان، الى رفض الظلم والتصدي لفساد السلطة، الى مواجهة استغلال الدين وانحيازه لكرامة الانسان، ومواجهته الحاسمة للعصبيات المصادرة للعقل ولكرامة الانسان، ووقوفه الى جانب كل القيم الانسانية التي ذاد عنها ومنع سقوطها في مواجهة امواج العصبيات الجاهلية... كلها قتلته بسيف الدين وبمقولة الخارج على السلطة الدينية.

الامام الحسين، الذي مات غريبا لتحيا قيم العدل والحرية، وليخط مسار الاصلاح الديني والاجتماعي والسياسي، لا يمكن ان يكون موجودا اليوم وغدا في ايّ خطاب مذهبي ولا في ايّ دعوة فئوية ولا في ايّ نزعة تريد تحويله الى مجرد شعار وشعائر تزيد من العصبية المقيتة ولا تخفف منها او تتجاوزها، كما فعل الحسين في كربلاء، ولا يزال.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية في أن الحسين ثورة ضد المذهبية والفئوية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia