داعش سؤال أعمق من قطع الرؤوس

داعش: سؤال أعمق من قطع الرؤوس

داعش: سؤال أعمق من قطع الرؤوس

 تونس اليوم -

داعش سؤال أعمق من قطع الرؤوس

علي الأمين

بدأت مسيرة جديدة ليست الدولة طريقها، ولا غايتها. بل الخلافة ودولتها. تلك التي لا تعطي لغير المؤمنين بها سوى خيار الجزية او الهجرة او الموت، رافعة راية "لا حكم الا لله".

فبعد استباحة الحدود مع سورية بات لبنان على شفا حفرة من نار الاقتتال. ووفر تدفق النازحين السوريين الى اراضيه المزيد من الاحتمالات السيّئة. ولم يكن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام يفعل شيئاً مغايرا ولا بعيدا عن أحلام كل من نادى بإزالة الحدود، وقيام دولة الاسلام واحكامه. هذا في منطقة لطالما ذهبت نخبها السياسية، من تيارات الاسلام السياسي والتيارات القومية، الى تحميل خرائط الكيانات والدول في المنطقة مسؤولية تقهقر شعوبها، بل فشل الامة العربية او الاسلامية.

لم يغرف تنظيم داعش من بئر لم تشرب منه شعوب المنطقة، من العرب والمسلمين وغيرهم، طيلة عقود بل قرون من الزمن، وان اختلف معه الآخرون قولاً في ما يمارسه او يدعو اليه. اي ان اولئك الذين يرفعون راية "حكم الاسلام" ربما اختلفوا مع "داعش" في الاسلوب او في كشفه الصارخ لما يتسترون عليه. فهل تخيير غير المسلم بين دفع الجزية او الهجرة غريب ليس من الاسلام؟ وهل شيطنة المذاهب الاسلامية ليست من آداب او سلوك اولئك الذين حكموا باسم الاسلام في فترات مديدة من تاريخنا الاسلامي؟ وهل قطع الرؤوس بالسيف او القتل بالرصاص هو الاشكالية؟ ام هل اختيار الحاكم المسلم في شريعة المسلمين يتطلب عملية ديمقراطية شفافة من الشعب او الأمة ليصبح حاكما شرعياً ام يمكن ان يكون شرعياً من دون عملية ديمقراطية؟ وهل قتل مواطن اميركي او غربي عموماً، في سفارة او في جامعة او على الطريق او قتل صحافي، هو امر مرفوض بالمطلق، ام هو امر يقرره كل من يرى في نفسه صاحب سلطة دينية؟

ليست الحدود بين الدول مقدسة في ادبيات الحركات الاسلامية، بل الهبت فكرة محو الحدود والغائها ادبيات هذه الحركات. ولطالما أُعتبرت انها تعبير عن الأمة المستلبة في ارادتها وفي تطلعاتها ومستقبلها. اما القضاء على كل من يخالف الحاكم او الخليفة، بالاستتابة، وان تمنع فالسجن او القتل، اليس من ادبيات وثقافة التيارات الاسلامية الطاغية في عالمنا تكفير المختلف في الشأن العام؟ وحتى لا نتحدث عن المختلف دينيا فيمكن تلمس منطق التكفير في كثير من محطات مسارات الدول والتيارات الاسلامية التي مارست السلطة عبر الدولة او من خارجها.

لكن ماذا عن المسلمين؟

لم تستطع اي نظرية للحكم في اكثر الحركات الاسلامية الاصولية ان تتجاوز فكرة ان لا فرق بين مسلم وآخر من حيث العقيدة والمذهب فما بالك عن غير المسلم. فلقد فشل اصحاب نظرية الحكم الاسلامي او الدولة الدينية في حلّ اشكالية المساواة بين المسلمين في الحقوق والواجبات او بين المسلمين المنتمين الى قوميات مختلفة. فلا زالوا عاجزين عن اﻹقرار بشرعية الحاكم، ان كان مختلفاً في المذهب، او في القومية.

ولعل سؤالا يمكن ان يوجه إلى اصحاب نظرية ان الحدود بين الدول العربية والاسلامية هي بلاء العرب والمسلمين: هل ان قيام تنظيم داعش بإزالة الحدود هو الحل؟ بمعنى انه لو قام بهذه المهمة فريق اسلامي آخر هل كان المعترضون على هذا التنظيم من اصحاب نظرية الحكم الديني سيقفون الموقف نفسه؟

بالتأكيد فإن قناعات حركات الاسلام السياسي تنطلق في تحديد اهداف سياسية، تسبغ عليها صفات دينية والهية، راذلةً شرعية الشعب او الناس. من هنا فتنظيم داعش هو ابن هذا المسار من الحكم والتحكم باسم الله والدين على الناس. وما دام ان هناك من يعتبر بين المسلمين ان السلطة هي شأن ديني، ولا تقرره ارادة الناس او الشعب، فستجد الشعوب الاسلامية دوما من يخرج بقوة السيف، رافعا راية "لا حكم الا لله"، مدّعياَ انه ينفذ حكم الله على الارض.

باختصار ثمة أسباب عميقة قديمة لمأساتنا الحالية، ومن بينها أن اصحاب نظرية الاسلام السياسي يعتبرون اللجوء الى الإسلام المتشدد وسيلة وحيدة لإيقاظ العالم الإسلامي ولتوحيده من جديد. ومن هنا انطلقت فكرة الخلافة. في وجه هيمنة العالم الغربي على الانظمة العربية وعلى المجتمعات العربية الإسلامية، وتوغل الأفكار الغربية.. كما أنه رغم دخول البلدان الإسلامية في الحداثة بقيت جماهيرها متشددة، أو بالأحرى متمسكة بالفهم المنغلق للدين. وهذه ظاهرة تحتفي بها الاصوليات وترسخها وتتبناها في قتال شبيهاتها داخل المذهب نفسه او في المذهب الآخر، او الحكومات او الدول الغربية المهيمنة عليها.. باختصار فإن تنظيم داعش كما أنه سؤال برسم شعوب المنطقة ونخبها، فهو بالضرورة نتاج العجز عن حلّ المعضلة التي نفذ منها هذا التنظيم، وهي التالية: اين تكمن شرعية السلطة في الاسلام؟ في الدين ام في الدنيا؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش سؤال أعمق من قطع الرؤوس داعش سؤال أعمق من قطع الرؤوس



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia