علي الأمين
حزب الله الذي طالما قاتل وعادى وخوّن الكثيرين على طريق مقولة "تحرير القدس" وتحرير كل فلسطين، نراه اليوم غير عابئ بما يجري داخل فلسطين وفي القدس من عدوان اسرائيلي ومن انتفاضة فلسطينية.
ثمة غياب كامل عن تنظيم ايّ مشهد تضامني شعبي او حزبي مع القدس وفلسطين كما عوّد حزب الله جمهوره وخصومه منذ تأسس بإشراف الحرس الثوري الايراني في العام 1982 تحت مظلة جيش القدس. ليس الغياب مقتصرا على حزب الله الذي قد يقال إنه منهمك بمواجهة "المشروع الاميركي الصهيوني الغربي الوهابي التكفيري الناصبي" على امتداد الاراضي السورية، بل يترافق مع صمت ايراني قد يساعد على تفسير هذه اللامبالاة.
وحزب الله يبدي اهتماما بالرموز الدينية الى حدّ التورط في حروب لاحتمال ان يتعرض مقام ديني الى اذى ما، كما فعل في سورية حين تناهى الى مسامعه امكان التعرض لمقام السيدة زينب عليها السلام، فدخل في المعركة تحت شعار "زينب لن تسبى مرتين". شعار لم تزل جثامين شهدائه تشيّع وتوارى الثرى تحته.
تقديس المقامات هذا يتناقض مع غياب تقديس المسجد الأقصى؟ فمن يقوم بما قام به من اجل مقام السيدة في زينب انطلاقا من واجب ديني مقدس، كيف لا تستنفره التهديدات الاسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى. فهل قدسية مقام السيدة زينب أعلى من قدسية المسجد الأقصى لدى حزب الله؟
هكذا فالمقدسات صناعة سياسية تقدم الاهتمام في موضوع معين لحسابات سياسية لا علاقة لها بالمقدس، في كثير من الاحيان. فما يقرر الاولويات في التعامل مع مسّ المقدسات هو الشأن السياسي. فتقوم تظاهرة كبرى في الضاحية اعتراضا على رسم كاريكاتور ينال من صورة احد الانبياء في الدنمارك على سبيل المثال، فيما لا تحرك قضية العدوان على المسجد الأقصى 10 أشخاص للتظاهر او تدفع مجموعة لارتكاب خطأ على الحدود مع الاحتلال الاسرائيلي جنوبا او على حدود الجولان. المسألة سياسية بامتياز تحددها انظمة مصالح دنيوية، وحزب الله نموذج واضح في هذا السياق.
من هنا لم يعد خافيا انه منذ توقيع الاتفاق النووي الايراني، مع الدول الخمس زائد واحد، بدا أن السلوك الايراني تجاه اسرائيل بات أقل حدّة، ولم يعد الموقف الايراني يثير استفزاز اسرائيل. فإيران الثورة الاسلامية هذه لم نشهد في شوارعها ولا على مقربة من السفارات الغربية في عاصمتها طهران ايّ تحرك شعبي، ولا من مجاهدي فيلق القدس ولا من قبل مجلس الشورى....ما يعطي انطباعاً أن مسألة تحرير القدس او الذود عن المسجد الأقصى تشكل عنصرا محوريا في اولويات المجاهدين في ايران. ولم نسمع ايّ موقف ايراني في انّ الاجراءات الاسرائيلية ضد الاقصى او ضد الفلسطينيين يمكن ان تدفع ايران الى القيام بعمل عسكري ضد اسرائيل.
هي أسئلة لمحاولة فهم المنطق الايديولوجي الايراني الذي طالما كان يشير، بل يعبئ وينظر الى قضية فلسطين على أنها ليست شأناً فلسطينياً بالخصوص، بل هي مسؤولية كل المسلمين. فيما ايران شكلت فيلق القدس واخترقت من خلاله دولا عربية عدة، وحين وصل الى حدود فلسطين بدا كأنه فقد شهية الاقدام نحو تحرير فلسطين والأقصى.
ببساطة الاولوية اليوم للاتفاق النووي الذي اقره مرشد الثورة الايرانية السيد علي خامنئي اخيرا، وهذا يتطلب ان تلتزم ايران، لتمرير الاتفاق في الكونغرس الاميركي وبدء تنفيذ رفع العقوبات الدولية عنها، بعدم استنفار اسرائيل، وأن تلتزم بمدونة سلوك حددها الغرب لها. من هذه المدونة عدم التعامل مع الشأن الفلسطيني باعتباره موضوعا ايرانيا كما كانت الحال في السابق. وهذا يفسر الى حدّ كبير كيف ان البحث عن عدوّ بديل هو امر ملح وحاجة لا بد منها لتطبيع العلاقات الايرانية مع الغرب الاستكباري وعلى رأسه الشيطان الأكبر.
السعودية هي العدوّ اليوم وآل سعود هم الشيطان الجديد. هذا ممر ايران الذي يدغدغ واشنطن ولا يستفز اسرائيل. وبالتالي لا يعرقل مسار الملف النووي في اروقة الكونغرس الاميركي. هذا هو المقدس في السياسة الايرانية اليوم وبالتالي حزب الله.