2012 عسكرة الربيع وإصرارهُ

2012: عسكرة الربيع وإصرارهُ

2012: عسكرة الربيع وإصرارهُ

 تونس اليوم -

2012 عسكرة الربيع وإصرارهُ

علي الامين

في الثورة السورية تتمظهر كلّ تحديات التغيير، فتشرّع كلّ الاسئلة دفعة واحدة المواطن – الفرد بات اكثر قدرة على الاختيار وعلى نبذ الاجماع كشف العام 2013 ان الانتقال من فصل الاستبداد الى ربيع الحرية والديمقراطية لم يزل في اول الطريق. فتهاوي الانظمة في العامين الماضيين بفضل الانتفاضات الشعبية السلمية في تونس ومصر وليبيا واليمن، لم يحمل الى الشعوب العربية ما الهب خيال المواطنين في هذه الدول للاندفاع نحو احداث التغيير بما يحقق دولة المساواة واعادة تقسيم الثروة الوطنية بشروط تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. ولا سبّب الخروج من ظلمات انتهاك الكرامة الوطنية والمواطنية الى فضاء العدل والحرية. لم تكن الاحلام والتوقعات على قدر المرتجى. لكن الخيبة لدى البعض تأتت من ان عهد التسلط السياسي لم ينته بعد، وان المجتمعات العربية لم تخرج فعليا من الحلقة المدمرة في رفض الآخر. وتبين ان قاعدة القبيلة والطائفة واستغلال الدين لم تزل منفذ التسلط من اجل التحكم بمغانم السلطة وتقاسمها خارج معايير دولة المواطنة. ليس هدف ما تقدم طمس ما تحقق من انجازات نوعية. فدول الربيع العربي دخلت بقوة في مرحلة التغيير، وهي اليوم في المرحلة الانتقالية التي دفنت في مصر فكرة الحاكم الفرعون، واظهرت صناديق الاقتراع ان المواطن – الفرد بات اكثر قدرة على الاختيار وعلى نبذ الاجماع حول اي خيار سياسي من طبيعته الغدر والإستبداد. وهي وقائع كشفت ان الميدان السياسي مفتوح على حيوية سياسية مرشحة إلى مزيد من التفاعل والسير نحو بلورة تيارات سياسية واجتماعية حقيقية تعبر عن المجتمع وموازين القوى الفعلية المتحركة في داخله. واذا كان عام 2012 عام صعود التيار الاسلامي بفروعه المتنوعة ومصالحه المتناغمة والمتصادمة، فإن هذا التيار، الذي اقصي عن المشاركة في السلطة خلال العقود الماضية، حظي بتعاطف شعبي كشفته صناديق الاقتراع في تونس ومصر، لكنه تعاطف مشروط لجهة النسب المئوية التي نالها من اصوات المؤيدين. نسب لاتتيح له ان ينام على حرير السلطة، بل ان يبقى متيقظا عبر سياسات تظهر مدى كفاءته في مقاربة الازمات التي كانت سببا في انتفاضات الربيع واقصاء سلطة السلف. هذا التعاطف لم يكن مقتصرا على الاسلاميين، بل إنّ الانتفاضات الشبابية التي تقدمت وقادت انتفاضات الربيع العربي إكتشفت مدى الحاجة إلى بلورة مشاريعها السياسية. فالاسلاميون كانوا اكثر كفاءة في ادارة اللعبة الديمقراطية، لانهم الاكثر تنظيما وتماسكا وقدرة على التجييش. التعاطف في انها نالت موقعا متقدما في المعارضة، موقعا سيتيح لها فرصة بلورة المشروع السياسي وبالتالي البديل الجدي للاسلاميين اذا احسنوا ادارة المواجهة كمعارضة سلمية ديمقراطية. العملية الديمقراطية في دول الربيع العربي تعاني من مطبات تتصل بغياب التجربة، وتعاني من محاولات اكتشافها، ومن تنزيلها الطبيعي من المكانة الوردية في اذهان المواطنين الى وحول الواقع. والعام 2012 كان عام عسكرة الثورة. عسكرة فرضها سلوك النظام الدموي واسلوب القتل الذي بدا وحيدا لردع المتظاهرين السلميين في كل انحاء سورية. ففي الثورة السورية تتمظهر كلّ تحديات التغيير دفعة واحدة، فتشرّع كلّ الاسئلة والمخاوف والاحلام دفعة واحدة. فالكل يفكر اليوم ماذا بعد هذا النظام. ولأن الاجابات متفاوتة اقليميا ودوليا، يتنفس النظام السوري من ارواح الشعب ويحيا في فصله الاخيرعلى الدماء بإطلاق آلة القتل الى حدّها الاقصى، ويتغذى في نهاياته على تعميق الشروخ المذهبية والطائفية. دفعُ "النظام" الثورة في هذا الاتجاه كان وسيلته لتبرير عنفه القياسي. فالعنف لغته وسلوكه اللذان يحسن إتقانهما، كما يحسن تأمين شروط اثارة مخاوف الاقليات من التغيير. فالنظام اراد من خلال اثارة النعرات المذهبية والطائفية ان يجد وظيفة داخلية تبرر وجوده. وهي تطلبت قيامه بتنفيذ المجازر والاغتيالات ذات الطابع مذهبي او الطائفي واستدراج ردود فعل مقابلة. بذلك وحده، اي بالخوف المذهبي، يستقطب النظام مؤيدين لبقائه. مؤيدون لا يجدون محاسن فيه الا حمايتهم من الآخر باعتباره خطرا وجوديا. الثورات العربية، والسورية تحديدا، تُظهر الى العلن ما كان مخفيا بالقمع والصمت، وبصدى الاوهام التي يسببها القمع. وهي ظواهر فيها من المقلق والمخيف، لكنّ الخير يبقى في أنّها خرجت الى العلن. اما القتل المستديم فلم يدفع السوريين اليوم إلى التراجع عن قرارهم اسقاط النظام. فموقف الإئتلاف السوري الأخير من رفض الحوار مع روسيا لا يظهر ان قيادته تفتقد إلى الخبرة السياسية كما قال وزير الخارجية الروسي قبل ايام، بل هو يظهر ان هذه المعارضة باتت تدرك جيدا ان خيار اسقاط النظام اتخذه الثوار على الارض وبات معيارا لتصنيف السياسيين بين مؤيد للثورة او معاد لها. وهو معيار شرعية الائتلاف نفسه. وهذا ما يقوله واقع المعارضين الذين لا يشترطون رحيل الرئيس بشار الاسد في اي تسوية. نقلاً عن جريدة "البلد"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2012 عسكرة الربيع وإصرارهُ 2012 عسكرة الربيع وإصرارهُ



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia