مذهبية إيران هي التي ستهزمها وليس أعداؤها

مذهبية إيران هي التي ستهزمها... وليس أعداؤها

مذهبية إيران هي التي ستهزمها... وليس أعداؤها

 تونس اليوم -

مذهبية إيران هي التي ستهزمها وليس أعداؤها

علي الأمين

انجزت ايران عملية السيطرة شبه الكاملة على المكون الشيعي في العالم العربي. فقد اظهرت الوقائع السياسية والميدانية خلال العقد الأخير ان القيادة الايرانية احكمت نفوذها على مختلف المجموعات الشيعية السياسية في العراق، وشكلت المظلة السياسية والاستراتيجية للنظام وللاقليات في سورية. وكانت قد حققت هذا الانجاز في لبنان مع انكفاء الجيش السوري في العام 2005. وهي الى حدّ كبير اغراها اتهامها من قبل خصومها بالوقوف وراء الثورة البحرانية، رغم أن تأييدها ثورة البحرين ترافق مع نكرانها حقّ الشعب السوري بالثورة السلمية او المسلحة ضد نظام الاستبداد.

بالتأكيد لم تكن الأقليات في العالم العربي، ومنهم الشيعة في احسن احوالهم. بل ان التمييز والظلم كانا قائمين ولا يزالان في العديد من الدول. وهذا مهّد لايران التحكم والسيطرة والنفاد من خلالهم في اكثر من دولة وآخرها اليمن. لكن النزعة الأقلوية قد تكون اعمت البعض عن حقيقة اكثر وضوحا وعن حق ساطع ومهدور، هو ان الأكثرية لم تكن افضل حالاً. فالظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في الدول العربية عموما، كان يطال المجتمع بمجمله، فيما الأقلية الفعلية هي الطبقة الحاكمة المستحوذة على السلطة وعلى الثروة الوطنية. فاكتمال الدولة في العالم العربي، بما هي دولة مؤسسات دستورية تحتكم الى تداول السلطة وتقوم على المساواة بين المواطنينن وعلى عدالة توزيع الثروة، يفترض أن تحكمها سلطة قضائية مستقلة. لكن هذه الدولة لم تقم بعد، وما كانت انطلاقة ثورات الربيع العربي الا تعبيرا عن هذا النزوع المجتمعي الى تحقيق هذا النموذج الذي لم يزل ملحّاً رغم لعنة الاستقطابات المذهبية والقبلية التي تحاول طمس خيار دولة المواطن وتداول السلطة.

قبل اعوام، وقبل الربيع العربي بسنوات قليلة، انكشف النفوذ الايراني على انه نفوذ استند في عمق سيطرته الى الايديولوجيا المذهبية. لذا لم يستطع فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، وهو يثبت سلطته ونفوذه في العراق وسورية ولبنان، ان يرد على تهمة تشكيل الهلال الشيعي الذي يضم هذا المحور وعلى رأسه ايران. بل اكثر من ذلك جرى استثمار هذا الشعار في المزيد من الاستقطاب الذي شكل العصب المذهبي عنصر تماسكه وقوته رغم رفع شعار تحرير القدس وفلسطين. ذلك ان عنصرا جديدا بدأ يبرز بقوة في طبيعة النفوذ الايراني. فقد انتقل من مرحلة دعم بعض مجموعات المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي في لبنان وفلسطين، المرحب به لدى بيئات عربية واسعة، الى مرحلة التمدد والنفوذ في داخل الدول العربية والسيطرة عليها. وكان دائما يشكل المكون المذهبي عنصر القوة للتمدد والنفوذ الايراني.

في المقابل لم تشهد العقود الماضية، على المستوى العربي، ظاهرة سنيّة تشبه الظاهرة الشيعية العربية التي شكلتها ايران. بمعنى ان ايران تستطيع القول إنها القائد الفعلي للشيعة العرب او لغالبيتهم. وإن لم تكن متحكمة بخياراتهم في بعض المناطق إلا أنها بالتأكيد تمتلك تأثيرا بالغا لا يمكن انكاره. كما هو الحال في معظم دول الخليج العربي. وهذا بالتأكيد تتحمل الانظمة العربية المسؤولية عن حصوله قبل ان تتحمله ايران فحسب، هي التي استثمرته ولا تزال في سياق مشروعها القومي. في المقلب الآخر لم يتشكل في البيئة السنية العربية اجماع على مرجعية مذهبية او سياسية. ورغم صعود التيارات الدينية خلال العقود الاربعة الماضية بقيت مرجعياتها موزعة بين الدول، مصر او السعودية، تيار الاخوان المسلمين، التيارات السلفية والصوفية. وبقيت هذه الاتجاهات محكومة بخيارات متصادمة في معظم الأحيان.

النموذج الايراني الذي تشكل على القاعدة الشيعية أيضا وفّر اغراءً لاتبّاعه في البيئة العربية السنيّة. وما الالتفاف الذي حققته المملكة السعودية من قبل معظم الحواضر العربية السنيّة في العالم العربي وخارجه اليوم الا دليل على مدى جاذبية النموذج الايراني في المنطقة العربية. فالنموذج المذهبي الخالص هو مثال للقوة والحضور والفاعلية وهو لذلك يستحضر مثاله في الضفة الأخرى. ربما كانت القيادة الايرانية تدرك ان سلوكها السياسي في المنطقة العربية سيؤدي الى ردود فعل كما نشهد من تداعيات تجربة اليمن اليوم. وربما فوجئت بهذا الالتفاف السني غير المسبوق حول السعودية. واذا صحّ احتمال المفاجأة، وهذا ما نتمناه، فهو يكشف في الحدّ الأدنى كم ان القيادة الايرانية مفتقدة للمعرفة بطبيعة المجتمعات العربية وخياراتها واولوياتها.

المغري في تشكل الاصطفافين السني والشيعي على وقع الأزمة اليمنية هو الدينامية التي تعزز من قوتهما وحضورهما على طول خطّ التماس بين الاصطفافين. فيما الادارة الاميركية نجحت حتى الآن في إثبات حاجة الطرفين لها في تنظيم المواجهة وادارة الصراع. هذا ما تقوله الوقائع من لبنان الى اليمن وما بينهما على امتداد دولة الخلافة في العراق والشام .

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذهبية إيران هي التي ستهزمها وليس أعداؤها مذهبية إيران هي التي ستهزمها وليس أعداؤها



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 09:37 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

إليك وجهات سياحية رخيصة يمكن السفر إليها في بداية العام

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 22:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

هاني شاكر يشارك جمهوره أول أغنية له في 2021 "كيف بتنسى"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia