طلال سلمان
أهكذا تغادر بلا وداع، يا غازي ناصر، يا البعلبكي في مصر والمصري في لبنان، ومصرـ لبنان في مجال الأعمال مع لوثة أدبية جعلته يرتكب جريمة الشعر.
... ولكنني ما زلت أنتظرك منذ مساء الأربعاء، أيها الصديق الذي لم يخلف موعداً، لا في القاهرة حيث كنت تتعهدنا والأسرة من المطار إلى المطار، كما تفعل مع مجموع أصدقائك ورفاق العمر من القدامى كما من رجال الأعمال، في القاهرة، أو في شرم الشيخ ، أو في بيروت حين كنت تأتيها مع عائلتك، أو في بعلبك التي تركتها صغيراً ولم تتركك بل واكبتك كبيراً من أهل الأعمال ابتنى بيتاً في القاهرة لكل لبناني يأتيها سائحاً أو رجل أعمال أو باحثاً عن فرصة لإنتاج مشترك.
غازي ناصر الذي ذهب إلى القاهرة مسحوراً بصوت جمال عبد الناصر لكي يكمل دراسته فيها، ثم اتخذ منها بيته ومكتبه ومقر شركة أعماله، ودار الضيافة لكل من وصلها من اللبنانيين.. مع امتياز خاص لأهل الفن جميعاً، وإن احتفظ عاصي الحلاني ببعض مفاتيح الدار.
غازي ناصر الذي سعى بجهده كله من أجل إقامة مؤسسة رجال الأعمال اللبنانيين المصريين، ومن أجل انتظام مؤتمرها السنوي، في القاهرة كما في بيروت، وبالتناوب، أعطى مصر خلاصة جهده وعرق الجبين، وأعطى لبنان بيتاً عامراً لأهله في القاهرة، دار ضيافة، ومنتدى أدبياً، وستديو لتجارب الأغاني الجديدة للفنانين، مطربين وأهل مسرح وسينما.
غازي ناصر نجح في اختراق الحواجز «الكيانية»، بدماثته، وصدق عروبته، وكرمه، وقدرته على اختراق الحساسيات. وساهم، مع أصدقائه من الصحافيين في مصر، في إعطاء صورة أقرب إلى الصحة عن أوضاع لبنان، كما نصّب نفسه حارساً للمصالح المشتركة التي تجمع مصر ولبنان... وشكل مع مجموعة من أصدقائه «جمعية رجال الأعمال اللبنانيين ـ المصريين» التي دأبت على عقد مؤتمرها السنوي مرة في بيروت ومرة في القاهرة بالتناوب.
لقد غاب «سفير الشعب» الذي كان يشكل رديفاً لسفير لبنان في مصر... وان امتاز عنه بأن الدوام في «سفارته» مفتوح، إذ هي لا تغلق في العطل والأعياد بل كان بيته يتحول إلى دار ضيافة للجميع يتعارفون فيها ويسهرون ما طاب لهم السهر، وقرينته «بنت الأصول» تسهر على راحة الجميع من دون منة أو ضيق «بالطارئين».
رحم الله غازي ناصر الذي أعطى لبنان ومصر أكثر مما أخذ منهما.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.