سلمان ملكاًً عهدٌ آخر في زمن مختلف

سلمان ملكاًً: عهدٌ آخر في زمن مختلف

سلمان ملكاًً: عهدٌ آخر في زمن مختلف

 تونس اليوم -

سلمان ملكاًً عهدٌ آخر في زمن مختلف

طلال سلمان

لا بد من وقفة تأمل أمام التغييرات التي شهدتها السعودية مع رحيل مليكها عبدالله بن عبد العزيز وتولي ولي عهده الأمير سلمان العرش، مع فريقه الذي حرصت أجهزة إعلام المملكة على وصفه بأنه من «جيل الشباب».
ذلك أن الملك الراحل عبدالله شكّل علامة فارقة في الحياة السياسية العربية، متجاوزاً في مبادراته وقراراته كما في أقواله سلفه الملك فهد بن عبد العزيز، مجتهداً في محاولة تصفية الخلافات العربية ـــ العربية وتوحيد الموقف العربي ولو على قاعدة الحد الأدنى في مواجهة التعنت الإسرائيلي (مبادرته في القمة العربية في بيروت 2002).
لقد رأى بعض المتابعين لشؤون المملكة المذهبة والعلاقات في ما بين «أجنحة» العائلة المالكة في هذه التغييرات التي أنجزت بسرعة قياسية، وبضربة واحدة، اهتماماً بإعادة تثبيت الحكم على قاعدته التاريخية التقليدية: الملك والفقيه... أي الأسرة السعودية بالتحالف مع سلالة الإمام محمد بن عبد الوهاب منظّر السلفية التي باتت تُعرف بعده بالوهابية والذي يتحدر منها آل الشيخ، وهي «المؤسسة» التي نالت الحق بالتحليل والتحريم وأشرفت على التشريع وبنت أجهزة تنفيذية لضمان الالتزام بالشرع كما تفهمه (بينها جهاز المطاوعة الشهير لقمع المخالفين والمخالفات في السلوك أو في اللباس، والذي تراجع ظهور أفراده الملتحين بعصيهم الطويلة في الشوارع والتعرض للمارة والعابرين، ولو كانوا من أعضاء السلك الديبلوماسي الأجنبي..).
لكأن الملك سلمان قصد بإنجازه السريع في تثبيت الصياغة الجديدة لولاية العهد بتسمية ولي لولي العهد، كما في إعادة تشكيل الحكومة وتعزيزها بالكفاءات الشابة، وحل العديد من المجالس والهيئات التي كان قد أنشأها الملك الراحل، إعادة إبراز الوجه الأصلي «الوهابي» للحكم والذي كان الملك عبدالله قد حاول التخفيف من صرامته حين اختار للشؤون الدينية «معتدلاً» من الوهابيين، بل «مستنيراً» كما يصفه بعض من عرفه، وكذلك عبر اندفاعه إلى شيء من التحديث باعتماد مؤسسات عصرية في مجالات التربية والتعليم، وتطوير مجلس الشورى بإدخال العنصر النسائي (ولو محجَّباً) فيه كمؤشر على الاعتراف بالمرأة كشريك ولو ثانوي، في القرار.
ومع تولي الأمير محمد بن نايف، منصب وزير الداخلية إلى جانب كونه ولي ولي العهد، وهو المعروف بصرامته برغم أنه خريج بعض الجامعات الأميركية وله حظوة في البيت الأبيض حيث التقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما مرتين، في مناسبتين مختلفتين ولكن لهما دلالتهما، فمن الطبيعي توقع المزيد من التشديد مع محاولات الانفتاح والتقدم نحو حياة مدنية تقترب من الانتساب إلى العصر في البلاد التي كانت توصف بمملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض.
ولقد اشتهرت عن الأمير محمد بن نايف، الذي ينظر إليه كثيرون على أنه «الملك التالي»، شجاعة المواجهة مع «الخارجين على القانون»، ويذكر له أنه ذهب بنفسه للتعزية بضحايا الإرهاب في القطيف، اثر التفجير الذي هزها مؤخراً، ودخل إلى «الحسينية» ليشارك أهل العزاء من الشيعة في بادرة غير مسبوقة.
كما يستذكر البعض تصريحاً لافتاً للأمير محمد قال فيه ما نصه: «لقد آن الأوان لبذل الجهود للقضاء على الإخوان المسلمين»... فالإخوان، في عرف الوهابية، قد أخذتهم المدنية الغربية بعيداً فانحرفوا عن أصول الدين الحق.
وبين المؤشرات على تشدد «عهد سلمان» إعادة توطيد الشراكة مع المؤسسة الدينية على قواعد من شأنها مسح الانفراج الذي كان قد أشاعه الملك عبدالله في الداخل.. واستتبعه بشيء من الانفتاح على تيارات سياسية متعددة في المحيط العربي (والإسلامي) طالما نظرت إليها المؤسسة الدينية السعودية على أنها من «الخوارج» بل ومن «الخارجين على الدين»، ولعل موقف الأمير محمد من «الإخوان» يعبّر عن هذه النظرة.
ويمكن اعتبار هذا التوجه، الذي تعتمده أيضاً دولة الإمارات بشخص ولي العهد فيها الشيخ محمد بن زايد، بين أسباب الافتراق عن تركيا (وقطر؟)، وبالمقابل: بين أسباب التحالف المفتوح مع حكم المشير السيسي في مصر القابل للتمدد في اتجاه ليبيا، والذي قد يحد من ثبات الشراكة بين الحكم التونسي الجديد والإخوان ممثلين بحزب النهضة.
وأما العلاقة مع كل من العراق وسوريا فسقفها أميركي، وإن استمر التباطؤ في تعديل الموقف من دمشق لارتباطه بموقف المملكة من إيران والذي يشهد الآن تدهوراً خطيراً نتيجة ما تعتبره الرياض تدخلاً غير مقبول في اليمن سيكون له تأثيره المباشر على العلاقات بين «الجارين اللدودين»، بالرغم من شبكة المصالح التي تجمعهما بعنوان النفط... والتي أثرت عليها أزمة حكم اليمن سلباً فحولتها إلى «جبهة حرب إيرانية ضد السعودية..».
يبقى ضرورياً التنويه بأن نسبة غالبة من الوزراء الجدد يأتون من مناطق وعائلات وهابية المناخ، تاريخياً، كنجد ومحيطها وبينها القصيم وحوطة بني تميم، ومنها آل الشيخ وآل نفيسة والعساف (وزير النفط الدائم برغم تجاوزه سن الثمانين).. كذلك فبعض الوزراء الشبان هم بين من كانوا في مكتب الملك سلمان خلال عهده الطويل جداً كأمير للرياض.
إنه عهد آخر جديد يختلف ليس فقط عن عهد عبدالله بل حتى عن عهد فهد. إنها ـــ بتعبير آخر ـــ عودة إلى الجذور الوهابية... من دون إغفال للأثر البالغ الذي تركته زيارة التعزية المفاجئة التي جاء فيها الرئيس الأميركي أوباما (قاطعاً زيارته الهند)، ومعه زوجته (التي افتقدت الصحبة والترجمة) وذلك الوفد الحاشد من وزراء الخارجية السابقين ورؤساء أجهزة المخابرات في العهود الأميركية المختلفة، لا فرق بين «ديموقراطي» و»جمهوري» في عيون الأسرة التي يتسنم العرش فيها الآن الملك السابع من ذرية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.
إنه عهدٌ آخر، في زمن مختلف.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلمان ملكاًً عهدٌ آخر في زمن مختلف سلمان ملكاًً عهدٌ آخر في زمن مختلف



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia