جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية

جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية

جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية

 تونس اليوم -

جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية

طلال سلمان

قدمت النخبة اللبنانية من أهل الفكر والعلم والأدب، ومن قبل أن يكون للبنانيين كيانهم السياسي، خدمات جليلة لإخوانهم العرب في مختلف ديارهم، أخطرها: وعيهم بذاتهم ومعرفة موقعهم في العالم، وحقهم في أن يقرروا مصيرهم بإرادتهم المستقلة. اليوم، تنبري الطبقة السياسية في لبنان، التي لا علاقة لغالبيتها الساحقة بالفكر أو بالعلم أو بالأدب، لتقدم للعرب في مختلف ديارهم وصفات سريعة وناجحة لتفكيك الدول ونشر مناخات الحرب الأهلية بتوسل الانتماء الديني أو الطائفي أو المذهبي، أو حتى العنصري، أو كل ذلك مجتمعاً، من أجل ضرب لحمة الشعب الواحد وتفكيك الدولة الواحدة. في المرة الأولى اجتهدت النخبة اللبنانية في رسم طريق العرب إلى التحرر والاستقلال تمهيداً للتوحد سياسياً، خلف أهدافهم المشتركة في بناء أسباب القوة والاندفاع على طريق التقدم، لتعويض ما فاتهم طوال دهر الاستعباد والاحتلال وإنكار الهوية. أما في الوقت الراهن فإن الطبقة السياسية في لبنان توشك أن تنجح في تقديم النموذج الفريد في بابه لتقسيم الوطن الواحد كانتونات وإمارات ودوقيات بحسب الطوائف والمذاهب، وربما العناصر، التي كانت مجتمعة في شعبه الموحد داخل كيانه الخاص بنظامه الطوائفي الفريد في بابه. وليست المصادمات والمواجهات والمماحكات والثرثرات الناضحة حقداً وكرهاً للذات وللآخرين إلا مقدمات ضرورية للفرز ـ باسم الديموقراطية ـ بين الشركاء في الماضي والحاضر والمستقبل، الجيران الذين كادت الجيرة أن تجعلهم أهلاً... يحتل الشاشات، محلية وفضائية، وأعمدة الصحف والمجلات، عربية ودولية، أقطاب الطبقة السياسية وهم يتبارون في إثبات مخاطر الوحدة الوطنية على «الكيان الطوائفي» حاضراً ومستقبلاً، والضرورة الحتمية لاستقلال كل طائفة بقرارها الانتخابي المستقل... بل إن «اللغة» التي يتحدث بها هؤلاء الأقطاب أو أتباعهم تخترق المحظور لتقدم خطاب حرب أهلية صافياً. الخطاب الطوائفي ـ المذهبي في لبنان، لكن الصدى يكاد يتجاوز المشرق العربي بأقطاره كافة وصولاً إلى مصر وبعدها ليبيا التي تفتقد وحدة شعبها في دولة ما بعد «دولة القذافي»، وربما إلى أبعد في الشمال الأفريقي العربي، من غير أن ننسى السودان الذي تمّ تقسيمه مرة بدكتاتورية نظامه وقد يشهد أكثر من تقسيم لأسباب «عنصرية»، وبين «عربه» أنفسهم. ولقد وفر الجدل حول قانون الانتخاب (باعتباره عنواناً للديموقراطية!) الفرصة أمام الطبقة السياسية لتكشف أحقادها على شعبها، ورغبتها في التخلص من «وحدته»، بأي ثمن، بما في ذلك الحرب الأهلية. فهي تنظر إلى هؤلاء الرعايا الذين جمعتهم المصادفات التاريخية فوق أرض لبنان على أنهم «شعوب» لا صلة رحم بين بعضها البعض ولا مصلحة مشتركة، ولا روابط تشد بعضها إلى بعض، وأن من الأفضل أن يستقل كل «شعب» في كانتونه وأن يثبت أنه الأقوى ـ حرباً وسلماً ـ من الكانتونات الأخرى. من أجل ذلك، لا بد من الانحدار من الدين إلى المذهب، والمذاهب شتى.. وبحسب المذاهب يمكن أن يصير لبنان عشر كيانات أو ربما خمسة عشر كياناً... فبعد الطوائف والمذاهب تأتي الأعراق: عربي، سريالي، أشوري، كلداني، فينيقي، تركي، تركماني، إضافة إلى بعض المتحدرين من أصول صليبية. ... فإذا نجح هذا في لبنان فهو سيكون مستقبل سوريا، حتماً، ومستقبل العراق، وربما امتد إلى الجزيرة العربية حيث تحل القبيلة محل الطائفة، والعشيرة محل المذهب. وهناك سيكون الصراع أعنف لأن الأرض من ذهب أسود والبحر من ذهب أبيض. وإذا كان لبنان قد دفع ثمن تشقق وحدة شعبه غالياً، ويُراد له الآن أن يدفع ثمن وحدة كيانه السياسي، فإن شعب سوريا المهدد في وحدته الوطنية وفي وحدة كيانه سيدفع أكثر بما لا يقاس... ثم يأتي دور العراق الذي يجري التمهيد لضرب وحدته، والذي قد تستخدم ثروته النفطية بين مبررات تقسيمه، «فيستقل» الأغنياء بخيرات أرضهم جنوباً وفي شمال الشمال، ويترك الغرب ومعه بعض الشمال في دوامة الفقر، حتى إشعار آخر. هل يعي أهل الطبقة السياسية في لبنان هذه المخاطر، أم أن مصالحهم الخاصة تعميهم عما هو أبعد من كرسي النيابة والوزارة ومصدر النفوذ؟ قد يكون من حسن الفطن أن نتعامل مع حروب الهواء التي يشنها أبناء الطبقة السياسية على أنها تفاصيل من خطط وضعها (الخارج) لتمزيق هذه المنطقة، بشعوبها ودولها، وإشغالها بمسلسل من الحروب الأهلية لا ينتهي إلا وقد أعيد تقسيم «الشرق العربي» جميعاً إلى مجموعة من الدوقيات والإمارات الطائفية والعرقية التي توفر الأمن والسلامة لإسرائيل إلى أمد غير معلوم. وليس سراً أن ثمة في إسرائيل كما في الغرب الأميركي والأوروبي، ومنذ الآن، من يخطط المشاريع ويعمل إعداد الخطط انطلاقاً من أن إسرائيل هي «الدولة» في هذا الشرق، وما تبقى «دوقيات» و«إمارات» تدور في فلكها، تماماً كما كان الحال في زمن الصليبيين: من أنطاكيا وحتى إمارة الرها.. ما أغلى كلفة «الديموقراطية» في لبنان بمواليدها المشوهين! وما أغلى كلفة الأخذ بنموذج الكيان اللبناني على الأشقاء العرب الذين طالما كانوا مبهورين بفرادته ونجاحات صباياه وشبابه ومراكز التزلج فيه، فضلاً عن الملاهي والمقاهي التي تتراصف من حول دور العبادة لتقدم هذا الوطن الصغير وكأنه «العالم» مجتمعاً! نقلاً عن جريدة "السفير"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية جدل الانتخابات في لبنان وموقعه في الحرب الأهلية العربية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia