طلال سلمان
... ولقد شَيَّعناك في الرحلة الأخيرة، أيها القلم المشع فكراً وثقافةً وإصراراً على أن نكسر حواجز التخلف والتعصب، ومَن جعل كتابته نوراً يهدي إلى الغد الأفضل: كان العديد من رفاق نضالك يتحلقون من حولك في دائرة الحزن وتلمع عيونهم بالإصرار على إكمال الرسالة بالحفر في قلب الصعب.
كانت بعقلين دامعة وقد ازدحم بيتها بمن باغتهم رحيلك المؤقت.
لقد أضفت إليها مكتبة من نتاجك المشع، محتلاً مكانتك بين السلف الصالح من جدودك وأبناء عمومتك الذين أعطوها، بل أعطونا جميعاً، من فكرهم ونتاج عقولهم، في الفكر السياسي كما في الفقه، وفي الأدب والنقد الاجتماعي... لكأن أسرتك، آل تقي الدين، مؤسسة فكرية ـ ثقافية تحترف إنتاج الجديد المختلف من الكتب المرجعية ونشرها أعمدة من نور على طريق أجيالنا الجديدة.
وكنا، أسرتك في «السفير»، نلتف من حول جثمانك معتزين بأننا زاملناك فصادقناك وصرت منا وصرنا معاً نجتهد في زرع مصابيح الكلمة المشعة على الطريق، نحاول قهر الظلمة والتعصب وترسبات عصور القهر الاستعماري والعمى الطوائفي والمذهبي.
رافقناك وقد ترجلت وواكبناك في الرحلة الأخيرة واجمين: لقد رحلت باكراً أيها الذي لم يسقط قلمه من يده، ولم يهجره الإيمان بقدرتنا على التغيير نحو الأفضل؛ استحال الحزن صمتاً عميقاً، ثم سمعناك تهتف من داخل نعشك: هيا إلى العمل، لا تتوقفوا، تابعوا الطريق إلى منتهاه.. اقهروا الضياع والتخاذل وشهوة السلطة، أنظروا إلى الناس من حولكم والتيه يكاد يأخذهم بعيداً عن أنفسهم. قاتلوا بالفكر، بالكلمة البكر، بكشف الزيف والتزوير والتخلف، واجهوا الطائفيين والعنصريين وتجار الشعارات ذات الدوي الذي يعكس الفراغ فيها.
بعقلين في حداد، يا سليمان، وكذلك المنتديات الفكرية والثقافية ومنابر التنوير.
على اننا سنحملك في ضمائرنا وفي أقلامنا، وسنحاول ان نكمل ما بدأت. لقد تعلمنا معك ومنك الكثير.. وسنحاول تعويض «السفير» غيابك عنها باستذكارك دائماً فيها.
نم هانئاً أيها الفارس الذي لم يقدر له ان يكمل رحلته إلى أهدافه ـ الأمنيات: ستظل معنا وفي عقول مقدريك نموذجاً للرجل الصلب بفكره المشع وثباته الجبار على مبادئه.
إلى اللقاء، يا رفيقي وصديقي وقدوتي طالما استطعت إلى ذلك سبيلاً... و «السفير» شاهد وشهيد.