«مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها

«مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها ...

«مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها ...

 تونس اليوم -

«مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها

طلال سلمان

يتبدَّى «المشرق العربي» بأقطاره التي كانت دولاً ذات أدوار مؤثرة في شؤون المنطقة عموماً، وكأنه، في هذه اللحظة، مجرد «مشاعات» مشتعلة بالحروب الأهلية والفتن تنتظر قراراً دولياً، وأكثر، بإعادة الفرز والضم لترسيم حدود الكيانات السياسية فيها ولها!
يمكن التأريخ للمرحلة الجديدة في عمر هذه الكيانات التي استولدتها معاهدة سايكس ـ بيكو قبل مئة عام إلا قليلاً ( سنة 1916)، بالاحتلال الأميركي للعراق في آذار ـ نيسان 2003. فلقد أفاد هذا الاحتلال من نتائج حكم الطغيان الطويل في عهد صدام حسين لتمزيق وحدة الشعب العراقي واستكمال فرزه طائفياً ـ سنة وشيعة ـ وعنصرياً ـ عرباً وأكراداً وأقليات أخرى ـ ليكون المعبر إلى تقسيم أرض الرافدين على قاعدة ذلك الفرز... ثم تولت الطبقة السياسية المهجنة والمثقلة بالأحقاد ومرارات الغربة والاضطهاد، العائدة من المنافي أو الخارجة من المعتقلات بشبق الرغبة في الانتقام وتعويض ما فاتها أو ما تفترض أنها قد حُرمت منه وهو حقها.
وها هو العراق الآن مثخن بجراحه التي فاقمها اجتياح «داعش» الذي كان يتعذر تصور انتصاره الكاسح والسهل لثلث مساحته أو يزيد، انطلاقاً من العاصمة الثانية الموصل، لولا تهافت الدولة فيه نتيجة تفجر العصبيات الطائفية التي ابتدعت زعامات وقيادات سيئة السمعة ومتهمة بارتكابات شتى بينها فساد الذمة والنهب المنظم لموارد البلاد التي كانت، ذات يوم، بين الأغنى.
النتيجة أن في العراق اليوم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، في الداخل، يمكن أن يضاف إليهم نحو مليونين كانوا في الخارج وعادوا ففجعوا بأوضاع بلادهم فهجرتها أكثريتهم من جديد، إما إلى بعض الجزيرة والخليج وإما إلى دول بعيدة في أوروبا وأميركا.
أما سوريا التي تقترب الحرب فيها وعليها من دخول سنتها الرابعة، فتبدو مهددة جدياً في كيانها السياسي وفي وحدة شعبها بعد تهجير قسري لنحو عشرة ملايين مواطن من مدنهم المهدمة بالقصف أو المقصبات والقرى أو تلك التي تحتلها عصابات مسلحة (بينها «داعش» و«النصرة» وبضع عشرة تنظيماً عسكرياً). بين هؤلاء حوالي سبعة ملايين، من الرجال والنساء والأطفال، مهجرين في «الداخل»، ونحو ثلاثة ملايين لجأوا إلى دول الجوار، أو سعوا إلى الهجرة بعيداً جداً عن وطنهم الأم، فاسترهنتهم بعض دول اللجوء بأديانهم أو بطوائفهم، بينما قضى الآلاف منهم في مغامرات بحرية في زوارق وسفن شحن إلى أية دولة تقبل دخولهم إليها، أو يرمون بأنفسهم (أو تلفظهم الأمواج) على شواطئها.
والمفجع أن السوريين الذين كانوا مضرب المثال في وحدتهم الوطنية يقاربون الآن خطر التشقق الطائفي والعنصري، فتقدم «تسهيلات» غربية إلى المسيحيين الذين كانوا في سوريا منذ بداية التاريخ، في حين «يعتذر» الأكراد بأنهم مضطرون إلى الاستعداد للاستقلال بكيان ذاتي في بعض مناطق الشرق والشمال من «الجمهورية» التي لا يعرفون مصيرها بعد عام أو عامين.
يقول لك بعض نخبهم: إذا ما تفاءلنا فافترضنا أن الحرب في سوريا وعليها ستتوقف (أو توقف!) بعد شهور أو سنة، فمن يعيد بناء هذه الدولة التي لم تكن غنية ولكن أهلها كانوا يعيشون فيها بأمان، متآخين موحدين يعملون بكد لمستقبل أفضل؟! إن كلفة إعادة البناء، لو توقفت الحرب اليوم تصل إلى حوالي مئتي مليار دولار، فمن سيتبرع لسوريا بهذه المبالغ الخرافية... مع الإشارة إلى بعض الأخوة من عرب الثورة هم هم من يمولون الحرب في سوريا وعليها؟!
في جانب آخر من الصورة يتبدى لبنان مهدداً بخسارة نخبه من شبابه المتعلم والكفوء. إن نسبة لا بأس بها من اللبنانيين يسعون جاهدين لإرسال نسائهم الحبالى إلى أية دولة غربية، لكي يكتسب أبناؤهم القادمين إلى الحياة جنسية غير جنسيتهم الوطنية «لأن الغد في المنطقة عموماً وفي لبنان ذاته غير مطمئن... ولا نريد لأبنائنا أن يموتوا في حرب أهلية جديدة».
صحيح أن الحرب الأهلية/ العربية/ الدولية على لبنان وفيه قد توقفت أو هي أوقفت بعدما استنفدت الأغراض منها، وأقر الجميع باتفاق الطائف أساساً للحل السياسي وإعادة بناء الدولة... لكن الصحيح أن اتفاق الطائف لم ينفذ بكامل بنوده، وقد تحكمت الطبقة المستفيدة من بعض تطبيقاته في تنفيذ ما لا يناسب مصالحها، ثم إنها قد تجاوزته ـ إلى الخلف ـ بقانون الانتخابات... وها هي سدة الرئاسة شاغرة منذ سبعة شهور، من دون أن يقلق هذا الشغور الطبقة السياسية المنقسمة على ذاتها والمتحالفة ضد مطامح «الشعب» الذي كشف زيف اللعبة الانتخابية وأدرك أن صوته بلا قيمة في ظل هذا الاستقطاب الطائفي والمذهبي الحاد، والذي يكاد يحوّل الوطن الصغير إلى مجموعات كانتونات ينظر أهالي كل منها شزراً إلى «أشقائه» في الكانتون الآخر، ثم يهرب بمصالحه وآماله في مستقبل أفضل منهم. وقد تكون المحطة الأخيرة للهرب في بلاد أخرى، سعياً إلى الأمان والاطمئنان إلى أن أبناءه سيعيشون بكرامتهم وبكفاءاتهم ولن يكون الدين عقبة في طريقهم إلى المستقبل الأفضل.
هل هذا انكشاف لحقيقة رغب الجميع في تجاهلها وهي أن هذه الكيانات السياسية التي استولدتها معاهدة سايكس بيكو لم تكن في أي يوم أوطاناً بدول قابلة للحياة، أم إن القيمين على مقاليدها هم المسؤولون عن خرابها بل تخريبها بذريعة أنها «منتجات استعمارية»؟!
وما هو البديل في ظل انعدام «القدرات الوطنية» على بناء البديل المنشود؟!
لعل هذا السؤال يشغل بال الملايين من عرب المشرق من بيروت.. وحتى صنعاء في اليمن السعيد!
أما فلسطين ونخبها فحديث آخر!

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها «مشاعات» سايكس ــ بيكو تخسر «دولها» ورعاياها



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia