هدايا «داعش»

هدايا «داعش»

هدايا «داعش»

 تونس اليوم -

هدايا «داعش»

غسان شربل

< بدأت السنة الجديدة على وقع الإشارات المتبادلة. قال باراك أوباما إن أمام طهران «فرصة للتصالح مع العالم» وإن إبرامها اتفاقاً مع الدول الست يطوي ملفها النووي «سيجعلها قوة اقليمية ناجحة جداً...». انتقد سلوك ايران في الملفات الإقليمية لكنه لم يقل ان هذا السلوك يجعل الاتفاق معها مستحيلاً. بعد ايام جاء الرد من طهران. قال الرئيس حسن روحاني: «ان البلد لا يمكن ان يتطور في العزلة لكن ذلك لا يعني انه علينا التخلي عن مبادئنا وأفكارنا». وأكد «انقضاء المرحلة التي كنا نقول فيها ان وجود الاستثمارات الأجنبية يشكل تهديداً للاستقلال. اليوم اصبحت الأمور عكس ذلك». وبين التصريحين كان الوضع في العراق على الشكل الآتي: الطائرات الأميركية في الفضاء والجنرال قاسم سليماني على الأرض. نسي اوباما وروحاني توجيه شكر الى الخليفة البغدادي ذلك ان اقتراب واشنطن وطهران من شروط رقصة التانغو ما كان ليتم لولا هدايا «داعش».
الحقيقة ان الإطلالة المخيفة لـ «داعش» على المسرح العراقي - السوري شكلت هدية غير متوقعة للرئيس الأميركي. اعادت الإطلالة تركيز الأضواء على الوضع في العراق ولم تعد سورية الموضوع الأول او الوحيد. وليس سراً ان اوباما لم يعتبر الموضوع السوري اساساً فرصة للتدخل او لتسجيل نقاط واكتفى بالتعامل معه بما يرفع العتب من الحلفاء ولا يؤدي الى نسف فرص التفاوض مع ايران.
يمكن القول ان الإطلالة المقلقة لـ «داعش» وفّرت لأميركا وإيران مزيداً من فرص الاقتراب واستكشاف امكانات الرقص معاً في ساحة واحدة. ساهمت اطلالة التنظيم في ازالة عقبة اسمها نوري المالكي علماً ان الرجل كان نجح سابقاً في تحويل نفسه حاجة ايرانية وأميركية في الوقت نفسه. الطريقة التي استسلمت بها وحدات كاملة من الجيش العراقي وتخوفات فئات كثيرة من الوقوع مجدداً في حكم الرجل الواحد كلها عناصر ساهمت في الضغط على ايران لإقناع المالكي بمغادرة مكتبه.
تعامل اوباما مع هدية ابو بكر البغدادي في سياق رؤيته للمنطقة: تقديم الموضوع العراقي على الموضوع السوري، تقديم اشكال من الدعم العسكري تقلّ عن التدخل العسكري البري الواسع، إبقاء فرص التقدّم في المفاوضات النووية مع ايران مفتوحة ومتاحة.
خطّط تنظيم «داعش» لارتكاب مجزرة غير مسبوقة بحق الأكراد. كان يمكن ان يكون الوضع مختلفاً تماما لو نجح في كسر ارادة اربيل والاستيلاء على كركوك ونفطها. مشروع المجزرة تعثر وتحول هدية للأكراد. العالم الذي كان يتباخل عليهم بالسلاح سارع الى تغيير موقفه خصوصاً بعدما كانت ايران اول الواصلين لعرض المساعدة. نجح مسعود بارزاني في استجلاب الدعم الدولي لكن نجاحه الأكبر كان في توليه شخصياً قيادة عملية تحرير المناطق التي اجتاحها «داعش» وبينها «المناطق المتنازع عليها» والتي التحقت عملياً بحضن الإقليم.   
في المقابل حصلت ايران على هدايا من «داعش». خلال ساعات شعر العالم ان الخطر في العراق يأتي من «داعش» وليس من الدور الإيراني في هذا البلد وأدوار الميليشيات الحليفة له. ثمة هدية اخرى وهي اعطاء الانطباع ان الخطر الأول في سورية هو خطر الإرهابيين الوافدين وأن ما تفعله ايران هناك هو «احتواء هذا الخطر». يمكن القول ايضاً ان «حزب الله» اللبناني عثر ايضاً على هديته. صار باستطاعته القول انه لو لم يتدخل في سورية لربما اضطر الى مقاتلة «داعش» وأشباهه «داخل الأراضي اللبنانية وربما في العاصمة نفسها».
ولا مبالغة في القول ايضا ان سلوك «داعش» شكل هدية ثمينة للنظام السوري الذي يجد نفسه الآن في وضع افضل مما كان عليه وتحديداً لأن التنظيم عاد وتصدّر لائحة الأخطار لدى العواصم القريبة والبعيدة. انشغال العالم بارتكابات «داعش» جعل حدثاً كبيراً من قماشة سيطرة الحوثيين على اليمن يمرّ وكأنه حدث عادي.  
حقّق «داعش» عكس ما ادعى. تحوّل نكبة لمن زعم الدفاع عنهم. قدّم الهدايا الصارخة لمن ادعى معاداتهم. وفّرت ارتكابات التنظيم حججاً اضافية لدعاة التانغو الأميركي - الإيراني. ستكون السنة الجديدة حاسمة في هذا السياق. فواشنطن وطهران تبدوان مهتمتين بالرقص فوق جثة «داعش».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدايا «داعش» هدايا «داعش»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia