ساعة الحرب على الظلام

ساعة الحرب على الظلام

ساعة الحرب على الظلام

 تونس اليوم -

ساعة الحرب على الظلام

غسان شربل

«غزوة باريس» أخطر من «غزوتي نيويورك وواشنطن». وقتل الناس بعد التحديق في عيونهم المذعورة أشد هولاً من ارتطام طائرة ببرج. مذبحة باريس أفظع من 11 سبتمبر (أيلول) الأميركي. إنها عمليات إعدام وحشية ميدانية قابلة للتكرار في هذه العاصمة أو تلك. لا تحتاج إلى طائرات أو طيارين. يكفي وجود حفنة من ذئاب الظلام تشرب من نهر الكراهية المطلقة.

«غزوة باريس» هي الأخطر، لأنها تبني على الجروح التي أحدثتها الغزوات السابقة وتهيل عليها كميات هائلة من الملح والكبريت. ولأنها تعمق مشروع الطلاق بين العرب والمسلمين من جهة وسائر العالم من جهة أخرى. ولأنها تدفع الجاليات العربية والإسلامية إلى الاصطدام المروع بالبلدان التي استضافتها. ولأنها تبني مدماكاً جديداً في مشروع إيقاظ الحروب الدينية وحروب الإلغاء بين الحضارات. ولأنها تنذر بأمواج كراهية للاجئين الذين فروا من وحشية حروبنا ومجتمعاتنا. إنها تهديد قاتل لعلاقات دول وشعوب وأديان وأفراد. مشروع انتحار كوني.

أبو بكر البغدادي أخطر من أسامة بن لادن. و «داعش» أخطر من «القاعدة». ارتكب العالم إثماً فظيعاً حين سمح لآلة القتل السوداء بأن تتحصن في أجزاء واسعة من العراق وسورية. حين اختار باراك أوباما سياسة النأي بالنفس. وحين انتظر فلاديمير بوتين فرص الصيد في بحيرة الدم السورية. وما يصدق عليهما يصدق على كثيرين.

ارتكب العالم جريمة واسعة. سمح لـ «دولة البغدادي» بالتقاط أنفاسها غداة إعلانها. سمح لها بالسيطرة على حقول النفط وتنظيم الجبايات واستثمار ما استولت عليه من المصارف والجيوش. أتاح لها التحصن في أماكن آمنة. واستقطاب متعصبين قادرين على توظيف التكنولوجيا في خدمة برنامج الكراهية والتدمير. وإغراء ضباط متشددين من جيوش قريبة وبعيدة. أعطاها الوقت لإنشاء غرف للتخطيط والعمليات. وإنتاج أجيال جديدة من الانتحاريين.

لا تزعم أن بلادك بعيدة. ولا تتوهم أن عاصمتك محصنة. هذه حرب لا تشبه ما عشناه أو قرأنا عنه. إنها حرب عالمية ترمي إلى الاصطدام بالعالم. بكل من لا يعتنق هذه الملامح الصارمة المقفلة. بكل من لا يشرب من النبع نفسه. إنها ترمي إلى إعادة بلدان إلى الكهوف. وتحويل جاليات وأقليات إلى عبوات. إنها مشروع اغتيال واسع لحق الاختلاف وفرص التعايش والتقدم. إنها ليل حالك يحاول اغتيال أضواء الحرية والكرامة.

في حرب من هذا النوع عليك أن تختار معسكرك. لا تهرب ولا تفرك يديك. من الملحّ فهْمُ جذور ولادة هذا الديناصور المفترس. لكن حذار من تبرير القتل بذريعة التهميش والإحباط والفقر والظلم الضارب هنا أو هناك. الظلم لا يبرر تعميم الظلام. ولا شيء يبيح هذه المجزرة الجوالة.

إن الأمر لا يتعلق بسورية والعراق ومنطقة الرأس المقطوع. العالم بأسره مهدد. هذه ليست مبالغة. إنه مهدد في أمنه واستقراره وسلامته وسياحته واقتصاده وتعايشه وشروط تقدمه. والعلاج يتخطى بالتأكيد مصير التنازع بين النظام السوري ومعارضيه وبين حيدر العبادي ورفيقه اللدود نوري المالكي. لا يواجه قرار إطلاق حرب عالمية إلا بقرار من القماشة نفسها.

على العالم أن يستيقظ الآن وقبل فوات الأوان. على الأمم المتحدة أن تنقذ أمن العالم واستقراره. على مجلس الأمن أن يتخذ قرار إطلاق حرب عالمية ضد الإرهاب. وعلى الدول الكبرى أن تتولى تنفيذ هذا القرار. تحتاج هذه الحرب إلى أساطيل وطائرات. وتحتاج أيضاً إلى دعم مالي وإعلامي. لا بد للعالم العربي والإسلامي من أن يساهم في إنقاذ نفسه. حرب تغلق كل الملاذات التي توفر للمتطرفين فرص التحصن والتناسل وشن الهجمات.

وفي موازاة هذه الحرب، لا بد من إغلاق منابر الكراهية للآخر. لا بد من مواجهة فكرية شاملة. لا بد من مراجعة عميقة. تجب استعادة الجامعات والمدارس والمساجد والشاشات والمواقع الإلكترونية من قبضة مروجي التكفير وإلغاء الآخر. اعتبار الحرب شأناً يعني الآخرين أفضل وصفة للخسارة.

إنها ساعة القرار الكبير. أن يخوض العالم هذه الحرب الآن أفضل من أن يخوضها لاحقاً. على مجلس الأمن بلورة إرادة دولية صارمة وتسخير كل طاقات الدول للدفاع عن التقدم الإنساني. إن ما يهدد العالم العربي والإسلامي اليوم لا يقل عن الخطر الذي شكلته النازية على أوروبا والعالم. إن العالم على مفترق طرق. وقرار إنقاذ التقدم الإنساني يحتاج إلى قامات استثنائية. يحتاج إلى ما يتجاوز براعات لافروف وسذاجات كيري. حرب عالمية على الظلام ترافقها إرادة دولية لإنهاء النزاعات على قاعدة الحوار والعدالة والمشاركة. التأخر في شن الحرب لا يَعِد العالم إلا بـ «غزوات» جديدة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ساعة الحرب على الظلام ساعة الحرب على الظلام



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia