زعيم تحت علمين

زعيم تحت علمين

زعيم تحت علمين

 تونس اليوم -

زعيم تحت علمين

غسان شربل

«للأسف العراق يتفكك». العملية السياسية «توشك ان تفشل». «التعايش بين المكونات يكاد يكون منعدماً». «للأسف النزاع السنّي - الشيعي موجود». اذا لم تعتنق الدول ذات التركيبة المتنوعة مبادئ الديموقراطية والتعايش والشراكة، فإن «كل الكيانات التي اصطنعت بعد الحرب العالمية الاولى يمكن ان تتفكك وتعود الى احوالها الطبيعية». التفكك يتعمق في سورية وعودتها الى ما كانت عليه قبل اندلاع الاحداث «امر مستبعد وشديد الصعوبة».

هذا ما قاله لي في أربيل الرئيس مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان ونشرته «الحياة» في الخامس من ابريل (نيسان) الماضي، اي قبل شهرين من استيلاء «داعش» على الموصل وما تبعها من تسارع التفكك في العراق وسورية.

تمنيت يومها، كعربي، ان يكون المتحدث مخطئاً، لكن صحة توقعاته دفعتني الى العودة الى حديثه، خصوصاً بعد تطورين لافتين. الاول موافقة برلمان كردستان على منح رئيس الاقليم حق ارسال قوات من البيشمركة للمشاركة في الدفاع عن مدينة عين العرب (كوباني) السورية. والثاني اتفاق القوى الكردية السورية على تشكيل «مرجعية سياسية موحدة» في الادارة الكردية على الاراضي السورية.

ان يرسل اقليم كردستان مقاتلين الى سورية عبر الاراضي التركية عمل يؤكد ان سورية التي كانت لاعباً وراء حدودها تحولت بالفعل ملعباً للآخرين. واتفاق القوى الكردية السورية، المتهمة اصلاً بعلاقات مع النظام، على مرجعية سياسية موحدة يكشف قناعتها بأن عودة سورية السابقة صارت متعذرة وأن القوى الكردية تستعد لبلورة «اداراتها الذاتية» داخل الكيان السوري.

كانت ولادة اقليم كردستان العراق استناداً الى الدستور العراقي الذي أقر في 2005 حدثاً كثير الدلالات. زرت مقر الاقليم في تلك السنة وكان اول ما لفتني ان المقر والرئيس يقيمان في ظل علمين: علم العراق وعلم كردستان العراق. تساءلت يومها عما سيكون عليه شعور الكردي المقيم في سورية او تركيا او ايران حين يشاهد اكراد العراق ينتخبون رئيساً يشبههم وبرلماناً يشبههم وحكومة تشبههم.

كان واضحاً ان ولادة اقليم كردستان العراق حدث لا يعني فقط المقيمين في الاقليم المقيم على حدود تركيا وسورية وإيران. تضاعفت جاذبية الاقليم حين تمكن من ترسيخ الامن في بلد مضطرب وإطلاق ورشة ازدهار في بلد يتلوى على نار مواجهات متعددة. ربما بسبب هذه الجاذبية وخطورتها كان بارزاني يمارس اقصى درجات الحذر. ردد مراراً ان الحل للأكراد في الدول الاخرى ليس استنساخ تجربة الاقليم، بل العمل من اجل نيل حقوقهم وفقاً للأوضاع في كل بلد.

كانت جاذبية اقليم كردستان مصدر قلق للدول المجاورة. قبل سنوات، دعت السلطات السورية بارزاني الى زيارتها، لكنها اشترطت استقباله بصفته رئيساً للحزب الديموقراطي الكردستاني لا رئيساً للإقليم وهو ما رفضه. بعد اندلاع «الربيع العربي» غيّرت دمشق موقفها، لكن الزيارة لم تحصل.

لم تعد القصة قصة اقليم كردستان العراق. وغالب الظن ان بارزاني لن يكون الزعيم الوحيد الجالس تحت علمين. ها نحن نسمع ان خرائط سايكس- بيكو رُسمت على عجل وبعيداً عن مشاعر من حشروا فيها. وأن هذه الخرائط شاخت وتمزقت. وأن الحدود سقطت. وأن التعايش سقط هو الآخر. ها نحن نسمع ان الدولة الأمة فشلت. وأن البحث سيدور حول تنظيم الطلاق داخل الخرائط. وأن عصر الدولة المركزية القوية انقضى. وأن علم الدولة المركزية هو مجرد غطاء للأعلام الصغيرة الحقيقية. وأن الأحداث كشفت ان زعيم كل مكون كان يخفي تحت جلده علماً صغيراً اقرب اليه من العلم الكبير. وأن الناس يموتون من اجل العلم الصغير لا من اجل العلم الكبير.

ها نحن نسمع ان السلطات المركزية ستكون ضعيفة. وأن كل مكون سيعيش في ظل حاكم محلي يشبهه. وفي ظل حرس وطني من مذهبه. وهذا سيعني عملياً ان المواطن كما الزعيم سيعيش في ظل علمين: علم المذهب وعلم البلاد. وأن هذا الامر معمول به عملياً في العراق. وأنه المستقبل المتوقع لسورية. واليمن. وليبيا. وأن هذا الحل مستورد من التجربة اللبنانية حيث يعيش كل زعيم تحت علمين وإن أخفى احدهما وحيث لا تتفق الطوائف-الأقاليم إلا على منع قيام الدولة المركزية الصارمة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زعيم تحت علمين زعيم تحت علمين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia