العدوان وما هو أخطر

العدوان وما هو أخطر

العدوان وما هو أخطر

 تونس اليوم -

العدوان وما هو أخطر

غسان شربل

هذه ليست عملية «تأديب». انها مذبحة كاملة. اخطر ما فيها ان يعتبر بنيامين نتانياهو ان موسم القتل المفتوح في الاقليم يتيح له ارتكابها واستكمالها. الاخطر ايضا ان يعتبر العالم مذبحة غزة مجرد واحدة من المذابح التي يشهدها الشرق الاوسط الرهيب.
شعرتُ بالحزن حين غادرت بعد منتصف الليل مكان إقامة الرجل الذي زرته. راقبته على مدى ساعات يتلقى التقارير من غزة وهو معني بخياراتها السياسية وصواريخها. كان القائد الفلسطيني صلباً كعادته مع واقعية رافقت قراءته الأوضاع. لم أشاطره تفاؤله. انتابني شعور بأن الأخطر من العدوان على غزة هو تراجع موقع القضية الفلسطينية لدى العرب والمسلمين، بعد استيقاظ قضايا خطرة وشائكة ودموية.
استند الرجل الى تجربة الفلسطينيين الطويلة في مقاومة الاحتلال، إلى تمسكهم بحقوقهم على رغم نهر الشهداء المتدفق منذ عقود، وقدرتهم على مقارعة ظلم الاحتلال وظلم المجتمع الدولي. لا يحق له التنازل عن تفاؤله، لكنني كصحافي أشعر بأن حرب غزة الحالية تدور في منطقة أخرى لم يعد الموضوع الفلسطيني همّها الأول.
لا يحق لي أن أروي ما سمعت عن ظروف المبادرة المصرية وطريقة إعلانها وكيف استقبلتها الفصائل. لم يكن اللقاء للنشر، لكنني في الحقيقة لم أستطع معرفة ملابسات الشرارة التي أدت الى اندلاع العدوان الإسرائيلي الجديد. لم أعثر على أجوبة لأسئلتي. لماذا خُطِف المستوطنون الثلاثة في هذا الوقت بالذات؟ هل كان الهدف احتجازهم لتكرار تجربة احتجاز الجندي شاليط والتفاوض لتحرير فلسطينيين أسرى في سجون الاحتلال؟ ولماذا قُتلوا سريعاً كما تبيَّن لاحقاً؟ هل تمت عملية الخطف بقرار؟ ومَنْ الذي اتّخذ هذا القرار؟ ألم يكن على مَنْ اتخذه أن يأخذ في الحسبان احتمال ان يلتقط بنيامين نتانياهو الفرصة ليحاول «تأديب» غزة و «حماس» معاً؟ ألم يكن على صاحب القرار أن يلتفت الى الظروف المحيطة بالقطاع و «حماس» وما يجري في المنطقة؟
كان الرجل يتلقى الاتصالات ثم نعاود النقاش. قلت له إننا نعيش اليوم في منطقة أخرى غير تلك التي كانت قائمة قبل حفنة أعوام. لم تعد القضية الفلسطينية القضية الوحيدة ولا الموضوع الوحيد، وإن اهل المنطقة منشغلون بقضايا أكثر حدة وإلحاحاً تتناول مصير خرائط ومجموعات، وإن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني صار واحداً من تلك النزاعات.
يكفي أن يقرأ المرء الأخبار ليتأكد أننا نقيم اليوم في منطقة أخرى. تقول الصحف مثلاً إن مئات من الشبان الأكراد الأتراك عبروا الحدود مع سورية للمشاركة في الدفاع عن المناطق الكردية فيها، في وجه تهديدات «داعش»، وإن «الإدارات الذاتية» الكردية في سورية فرضت التجنيد الإلزامي في بعض مناطقها. وتقول الأخبار أيضاً إن لإقليم كردستان العراقي حالياً جبهة مع «داعش» تمتد نحو ألف كيلومتر، وإن الإقليم باشر ضخ النفط من حقول كركوك. هذا يعني ببساطة أن القضية الكردية ستكون في صدارة اهتمامات الدول الأربع المعنية بها مباشرة، فضلاً عن الدول الأخرى ومخاوفها.
المنطقة مشغولة أيضاً ببرنامج طارئ وشديد الخطورة. تكفي قراءة خبر يقول إن «داعش» بات يسيطر على ثلث الأراضي السورية ومعظم مصادر النفط والغاز، وإن التنظيم أسقط عملياً الحدود السورية- العراقية.
المنطقة منشغلة أيضاً بالنزاع السنّي - الشيعي الذي لا يمكن تجاهله في أي محاولة لفهم مواقف دول المنطقة وسياساتها، خصوصاً في سياق البرنامج الإيراني في الإقليم ومحاولات قطع الهلال الذي نجح في إنشائه.
يذهب سوء الحظ الفلسطيني أبعد من ذلك. ليس بسيطاً ان يقول باراك أوباما ان الطائرة الماليزية أُسقِطَت بصاروخ أُطلِق من منطقة يسيطر عليها انفصاليون أوكرانيون يدعمهم فلاديمير بوتين بالأسلحة الثقيلة.
لا تغيب هذه التطورات عن ذهن القائد الفلسطيني. ومن واجب القيادات الفلسطينية أن تسارع بعد وقف النار في غزة إلى إعادة قراءة الوضع في المنطقة. النزاع العراقي مفتوح، والنزاع السوري مفتوح، والأردن قلق، ولبنان مضطرب، والملف الفلسطيني صار واحداً من الملفات في منطقة تنشغل المجموعات فيها بـ «أعداء الداخل» أكثر من أعداء الخارج.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدوان وما هو أخطر العدوان وما هو أخطر



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia