الحرب العالمية الثالثة

الحرب العالمية الثالثة

الحرب العالمية الثالثة

 تونس اليوم -

الحرب العالمية الثالثة

غسان شربل

 < لا غرابة في حجم المشاركة الدولية الواسعة التي شهدتها المسيرة التاريخية في باريس أمس. لم يعد باستطاعة أحد تجاهل حجم المشكلة وحجم الأخطار. ولم يعد باستطاعة أحد الزعم بأن المشكلة تخص الآخرين، وأن بلاده ستبقى بمنأى عن هذا العنف المجنون. عبّر حجم المشاركة الدولية عن تزايد القناعة بأن العالم ينزلق نحو حرب عالمية ثالثة إن لم يكن انزلق إليها فعلاً.
 للوهلة الأولى يبدو تعبير الحرب العالمية ضرباً من المبالغة. فنحن لا نرى جيوشاً كبيرة تتطاحن. ولا نرى خطوط قتال تتوزع على جانبيها آلاف الدبابات والطائرات. إنها حرب عالمية مختلفة عن الحربين اللتين روّعتا العالم في القرن العشرين. حرب متعددة المسارح، تشنّها مجموعات صغيرة تنتمي إلى جيوش صغيرة. وأخطر ما في هذه الجيوش أنها ترفض فكرة الحدود الدولية كما ترفض فكرة التعايش بين المتحدّرين من ينابيع مختلفة. حرب مختلفة لأنها لا تدور في عالم الدول المقفلة والحدود الصارمة والمعسكرات المرسومة بوضوح شديد. حرب يمكن أن تدور على حدودك، أو في عاصمتك، أو في مطارك، وأحياناً يكفي انتحاري واحد ليهز الاستقرار ويشيع الرعب.
حرب مختلفة تماماً. ليست هناك دولة في العالم تستطيع مراقبة كل مصادر الأخطار، أو حماية كل الجسور والمرافق المهمة والمعالم البارزة. ثم إن الجيوش الصغيرة العمياء يمكن أن تضرب متجراً أو مدرسة أو عابري سبيل.
ليس بسيطاً ما شهده العالم أخيراً. سكاكين تحز الأعناق، وسيارات مفخخة تستهدف أعراساً وجنازات ومصلّين. مسلحون جوّالون ينتهكون سيادة دولة وينفّذون أحكاماً بالإعدام على أرضها. يحاولون تغيير نظامها ونمط عيش أهلها. وكلما تراجع وجود السلطة المركزية في بقعة، تحوّلت معسكر تدريب ومصنع كراهية، ثم بدأت بتصدير الموت إلى المناطق القريبة والبعيدة.
يدفع العالم اليوم ثمن ممارسات رجالٍ فاشلين وسياسات فاشلة. ثمة رجل فاشل اسمه باراك أوباما. من حقه أن يعيد الجنود الأميركيين من الحروب التي أرسلهم إليها سلفه جورج بوش، لكن من واجبه أيضاً أن يتذكّر المسؤولية الدولية للقوة العظمى الوحيدة. غادرت قواته العراق من دون أن يوفّر ضمانات الحد الأدنى لتفادي النزاع المذهبي الذي لم يكن سراً. الطريقة التي تعاطى بها مع النزاع الدموي في سورية لم تتصف بالمقدار اللازم من المسؤولية أو العقلانية. سلوك إدارته كان بين الأسباب التي أتاحت سيطرة المتطرفين على جزء واسع من الأراضي السورية وإطلالة «داعش» من الموصل.
ثمة فاشل آخر لا يمكن تجاهل مسؤوليته، على رغم ما دبّج من كتابات عن ذكاء القيصر الجديد. سمعتُ أيضاً سيلاً من الإشادات بذكاء وزير خارجيته سيرغي لافروف من رجال عملوا معه. يمكن القول أن فلاديمير بوتين كان بارعاً في الثأر من أميركا، ورداً على ما اعتبره إهانة أطلسية لبلاده في ليبيا. لكن بوتين لم يتصرف بالتأكيد بموجب المسؤولية الدولية التي يحتّمها موقعه. بدا زعيماً شرهاً أكثر بكثير مما بدا زعيماً يُدرك حجم مسؤولياته الدولية. الدم السوري يلمع على أصابع بوتين كما يلمع على أصابع أوباما. لم يكن يحق لهما ترك سورية تغرق في هذا الجحيم، فيما يتدفق المقاتلون الجوّالون إلى أراضيها مستفيدين من رغبة السلطان التركي في الثأر.
يدفع العالم اليوم ثمن فشل دول الشرق الأوسط الرهيب في الانتماء إلى العصر. سياسات قديمة رُسِمت بحبر الاستبداد. وأنهار من الكراهية للآخر المختلف. وعقود من التحريض والمدارس المتعصبة. فشل اقتصادي وظلم واستبداد وأزمات هوية حادة سهّلت للمتعصبين خطف الجامعات والشاشات وانتزاع حق التحدث باسم الجموع.
إننا في بدايات الحرب العالمية الثالثة. وهي مسؤولية دولنا قبل أن تكون مسؤولية الغرب وحلف الأطلسي. حرب ستدور بالوسائل الأمنية والعسكرية والفكرية والأيديولوجية. على الدول تحسس سياساتها وكتبها وخططها الإنمائية، وعلى قوى الاعتدال أن تتقدم الصفوف كي لا تكون الحرب الحالية أشدّ هولاً من سابقاتها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب العالمية الثالثة الحرب العالمية الثالثة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia