غسان شربل
شاءت الصدفة أن أصل الكويت آتياً من الأردن. والصدف مفيدة أحياناً. تساعدك في خفض توقعاتك المخفوضة أصلاً. فالصحافيون الذين درجوا على تغطية القمم العربية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، يعرفون أن أبرز ما في هذه القمم هو التذكير باحتفاظ العرب بقدرتهم على الاجتماع تحت سقف واحد، على رغم تصدّع البيت العربي وتداعي جدرانه.
يساعدك النوم في عمان على تذكر الملفات التي يسلّم العرب بأنها تفوق قدرتهم على العلاج والاحتمال. يستعد الأردن للتعايش سنوات اضافية مع المأساة السورية التي تعده بمزيد من اللاجئين، فضلاً عن رياح التفكك التي تطلقها في الإقليم.
وقصة الأردن مع اللاجئين، قديمة ومحزنة. كلما نشبت حرب كان على البلد القليل الموارد أن يفتح أرضه وقلبه. استقبل فلسطينيين وخليجيين وعراقيين وسوريين.
مأساة اللاجئين ومعها دائماً هاجس الأمن. والقلق طبيعي. الأردن جار الأنبار وما يجري فيها حالياً ليس بسيطاً. لا يتعلق الأمر فقط بالحرب على «داعش»، بل أيضاً بتحول سوء التفاهم إلى حالة ثابتة في العلاقات بين المكونات.
يستعد الأردن أيضاً لاستقبال أمواج جديدة من اللاجئين السوريين وسط الكلام عن تصاعد محتمل للمواجهات في منطقة درعا. ويستعد في الوقت نفسه لدرء الأخطار التي يمكن أن تترتب على تقسيم سورية أو تقاسمها بين السلطة والمعارضة لسنوات، بسبب تعذر الحسم الكامل.
ولأنك جئت الى الأردن من لبنان، لا تستطيع تفادي الوقوع في المقارنات. في الأردن سلطة قادرة على القراءة الواقعية للأحداث، وكذلك على التحرك دولياً وإقليمياً للاحتماء من شراراتها. وفي الأردن مؤسسة عسكرية وأمنية متماسكة قادرة على مواجهة التهديدات. ويلمس زائر عمان ارتياحاً لدى الأردني العادي، لأن الربيع مر من دون أن تقع البلاد «في المشاهد السورية، أو المصرية أو الليبية». يتعارك الأردنيون تحت قبة البرلمان، لكنهم يتحاشون الوقوع في العراك الدموي في الشارع.
في المقابل في لبنان سلطة متصدعة تقف حائرة أمام الاستحقاقات المقتربة، فيما تواجه المؤسسات العسكرية والأمنية تدهوراً يفوق قدرتها على الحسم أو الاحتمال. وواضح أن رياح التفكك السوري أشد وطأة على لبنان منها على الأردن بسبب الاختلاف بين تركيبة كل من البلدين.
يمكن أن نضيف إلى ما تقدم الأخبار الوافدة من اليمن، واحتمال تصاعد المبارزة الداخلية والإقليمية على أراضيه، كما يمكن أن نضيف تزايد المؤشرات التي توحي بأن ليبيا تتجه الى الانفجار بمواطنيها وجيرانها. ويبقى الأهم أن رحلة عودة مصر إلى الاستقرار، قد تكون بطيئة وشاقة بعدما ألقى المتصارعون هناك بكل أوراقهم.
في عمان لا تستطيع إلا أن تتذكر الضغوط التي يتعرض لها الرئيس محمود عباس بسبب تلهف إدارة أوباما إلى تحقيق تقدم ما على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي في موازاة تطلعها إلى تقدم على المسار الإيراني. وكل شيء يشير إلى أن واشنطن تطلب من عباس ما لا يستطيع قبوله أو احتماله.
في الطريق إلى الكويت، لا تستطيع أن تنسى السموم التي هبت على المشهد الدولي. يتصرف فلاديمير بوتين بمنطق القوة والثأر. تصرف في شبه جزيرة القرم كما تصرف جورج بوش في العراق، على رغم الفوارق بين الملفين. هذه المسألة ليست بسيطة وقد تضاعف التهاب الجروح النازفة في الشرق الأوسط.
ليس سراً أن العرب هم الطرف الأضعف في الإقليم، وأن المعارك تدور على أرضهم وداخل بيتهم. «الربيع العربي» وفر لـ «القاعدة» فرصة إعادة إطلاق برنامجه. والبرنامج الإيراني لم يتوقف أصلاً. خلخلت العواصف البيت العربي وصدعته. الأسابيع الماضية كشفت أيضاً حجم التشققات داخل البيت الخليجي.
في ظل هذه المشاهد تُعقَد القمة العربية. إنها قمة البيت المتصدّع. ليست قادرة على اجتراح الحلول. إنها تذكير بالقدرة على الاجتماع تحت سقف واحد، على رغم ما أصاب السقف والجدران. تذكير بحاجة العرب إلى يقظة عاجلة لحماية مصالحهم وحقوقهم ووجودهم.