هذا الشعب الوقح

هذا الشعب الوقح

هذا الشعب الوقح

 تونس اليوم -

هذا الشعب الوقح

غسان شربل

هذا شعب وقح. مزعج. ملحاح. متطلّب. لجوج. متقلّب. غدار. ناكر للجميل. يسيء التقدير. ويسيء الظن. غاوي شعارات. حقود. يحب الهجاء، وتوزيع الاتهامات.

شعب يفتقر إلى العقلانية. والموضوعية. والواقعية. والقدرة على استخلاص العِبَر. تضحك عليه الشاشات. لا يلتفت إلى المشهد في المنطقة. ينسى أن الوضع في طرابلس أفضل منه في حلب. والوضع في عكار أفضل منه في الأنبار. والوضع في الضاحية أفضل منه في الزبداني. والوضع في بيروت أفضل منه في مقديشو. والوضع في صور أفضل منه في بنغازي.

شعب يرفل في الأمن والاستقرار ويصرّ على الشكوى. لا هجمات انتحارية في جونيه أو النبطية. ولا تتساقط البراميل على صيدا. ولا يتحصّن المقاتلون الشيشان في الضنية. ولا يطل «الخليفة» من برجا كما أطلّ من الموصل. لا الجيش يقصف القرى، ولا «الحشد الشعبي» يتقدم لتحريرها، ولا طائرات التحالف تبرمج غاراتها على المتطرفين.

شعب مولع بالتذمُّر. لم يلتفت إلى أن خمسة ملايين سوري هربوا من بلادهم وأكثر منهم يتيهون داخلها. وأن السوريين يموتون براً وبحراً. لم يقرأ قصة من اختنقوا في الحاوية، أو قصة الجثث التي التهمتها الأسماك في أعماق البحار. لم يلتفت إلى أن سورية التي كانت تحكمه وتفرض عليه الرؤساء والزعماء، تمزّقت وتفكّكت وتكاد أن تغيب عن الخريطة. وأن السوري صار اللاعب الأضعف على أرضه... خسر سقفه وأطفاله وخسر قراره.

هذا شعب يحب المبالغات. يتهم السياسيين الفاسدين بنهب البلاد. يتحدث كأن لبنان ينام على المناجم والآبار. مبالغات. سمعتُ في موسكو عن أهوال النهب التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي. وسمعتُ في بغداد عن أهوال النَّهب في عهد ما بعد صدام حسين. عاصمة الرشيد تنام على النفط وتغرق في الظلام. المافيات اللبنانية صغيرة، متواضعة، رخيصة. لا شك أنها تشعر بالخجل لو مثلت أمام مثيلاتها في روسيا والعراق.

هذا شعب وقح.

هذا شعب متهوّر. لا يأخذ في الاعتبار الظروف الإقليمية والدولية. وسقوط الحدود. وانهيار التعايش. والمبارزة المفتوحة على كأس الإقليم. وظهور «داعش»، وتوظيف فرصة ظهوره. وفي زحمة هذه التطورات يطل الشعب بمطالبه الوقحة. يريد مياهاً غير ملوثة. وغذاءً غير فاسد. وكهرباءَ دائمة الحضور كأنه يقيم في فندق. ويريد إرسال أبنائه إلى المدارس، ويريد فرص عمل كي لا يضطر إلى تصديرهم. ويريد شوارع بلا نفايات. هذا كثير... هذا فظيع.

شعب لا تنتهي مطالبه. يريد رئيساً للجمهورية. هكذا بكل صفاقة وتبجُّح ووقاحة. شعب لا يُدرك أن القصر الشاغر مريح، ومثير للمشاعر واللعاب، ويبقي الأحلام مستعرة. والرقص على أطراف الهاوية مفتوحاً. شعب لا يقدِّر أن ليس من حقه أن يكون له رئيس قبل اتضاح مصير رئيس. ثم إن انتخاب رئيسٍ للجمهورية سيُلحق أضراراً نفسية هائلة بمن يعتبرون أنهم أصحاب حق تاريخي وإلهي في الإقامة في فندق بعبدا، أياً يكن الثمن.

شعب يمتاز بموهبة نكران الجميل. يتناسى كم ضحّى السياسيون من أجله. أفنوا زهرة شبابهم في محاولة تجنيبه الهاوية. عملوا. وكدّوا. واجتمعوا. وتداولوا، بحثاً عن صيغ. وحلول، وتسويات، ومخارج. شغلهم الشعب عن زوجاتهم وأولادهم وأحفادهم. هل كثير إذا التهموا في المقابل صفقة من هنا وأخرى من هناك، مقابل الساعات الإضافية التي كرّسوها لشعبهم العظيم؟

ليس بسيطاً أن ينزل آلاف الشبان إلى الساحات. وأن يحجبوا الثقة عن الطبقة السياسية وزعمائها بلا استثناء. هذا ليس مجرد ردّ على بحر النفايات الذي يطوِّق المدن والقرى. إنه ردّ على سياسة «استحقار» المواطنين. إنه ردّ على نهج إذلال الناس تحت تسميات مختلفة ومتناقضة. ربما لحق ظلم بأفراد بفعل الحماسة والتعميم، لكن الأكيد أن الطبقة السياسية باتت شبيهة بنادٍ للعراة.

الفساد الفساد. الفساد المالي. والفساد الإداري. والفساد السياسي. والفساد الوطني. صرخ الناس من فرط الفساد والإذلال والاحتقار. المهم أن لا تُصادَر الصرخة أو يتم إفسادُها. أهم ما يمكن أن يحصل أن تكون الصرخة دعوة حاسمة إلى إعادة بناء الدولة. وأن تطلق يقظة وطنية واسعة حول أخطار العيش بلا دولة. وأن تتحوّل هذه الغضبة الوافدة من خارج الطوائف والاصطفاف الجامد إلى مشروع جريء وواقعي لاستعادة الدولة. لا خلاص إلا بالدولة. ومن حق الشباب اللبناني أن يتجنّب محاولات استدراجه، وأن يبقى الرقيب والصوت الهادر في معركة استعادة الدولة. أقصى الفساد والجريمة غياب الدولة.

يستحق اللبنانيون أن يكون لهم رئيس للجمهورية. وأن تُشكَّل حكومة محترمة تشرف على انتخابات نزيهة وفق قانون عصري للانتخابات، يتيح أوسع تمثيل ممكن. وأن يتقاعد من ارتكبوا وأثروا وتورّموا أو أن يرحلوا إلى منتجعات بعيدة خلابة. لا وقاحة في المطالبة بدولة عادية وطبيعية، توقف موسم احتقار الناس وإذلالهم. دولة صغيرة تنشغل بهموم مواطنيها ولا تكلّف نفسها أدواراً تفوق طاقة لبنان وتُناقِض طبيعته.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا الشعب الوقح هذا الشعب الوقح



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia