بوتين وخامنئي و «الهلال»

بوتين وخامنئي و «الهلال»

بوتين وخامنئي و «الهلال»

 تونس اليوم -

بوتين وخامنئي و «الهلال»

غسان شربل

مسكينة سورية. كلما اجتمع قويان على أرضها تمددت خريطتها المثخنة بينهما. مصيرها يتقرر في غيابها. المتدخلون في ملعبها يدافعون عن برامجهم ومصالحهم وصورتهم. دم السوريين لا يحتل صدارة الأولويات سواء كان سنياً أم علوياً وعربياً أم كردياً. تعايش العالم سنوات مع الانتحار السوري. استيقظ حين فاضت الأخطار عن حدود الخريطة منذرة بنحر آخرين. ستكون الخريطة اليوم على الطاولة حين يستقبل المرشد ضيفه القيصر.

إنه اللقاء الثاني بين الرجلين. كان الأول في 2007. كان العالم مختلفاً. وكان الشرق الأوسط مختلفاً. وكانت سورية لاعباً وهي اليوم استحالت ملعباً.

يحب فلاديمير بوتين مباغتة خصومه. ويعشق دور «سارق الأضواء». وفّر له التدخل العسكري الروسي في سورية هذه المتعة. إنه صاحب الدور الأول الآن. لكن الذي قرر تحمل أعباء الحرب ألزم نفسه عملياً بتحمل أعباء البحث عن حل. وتعرف موسكو أن «الجنرال وقت» هو أعنف خصومها. لهذا، وضعت سقفاً زمنياً مبدئياً لتدخلها العسكري في سورية. إنها تراهن على انطلاق العملية السياسية قبل نهاية السنة الحالية أو في موعد قريب منها.

قبل لقاء اليوم، تغير شيء ما في علاقات إيران بالعالم. إنه الاتفاق النووي. وتغير شيء ما في علاقات روسيا بالعالم. إنه التدخل العسكري في سورية. تمكن الإشارة إلى عنصر ثالث وهو انضمام إيران إلى عملية فيينا السورية، والتي يفترض أنها انطلقت من روحية بيان «جنيف - 1».

لا يتسع المجال هنا للخوض في العلاقات بين روسيا وإيران بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية. ربما ينظر كل طرف إلى الآخر بوصفه «شريكاً متعباً لا بد منه». وربما يعتبر كل منهما هذه العلاقة رسالة ضغط على الولايات المتحدة. لكن الأكيد هو أنه من المبكر الحديث عن افتراق الحسابات بين موسكو وطهران على الملعب السوري. ومن التسرع أيضاً الحديث عن تطابق كامل ودائم بينهما على أرض ذلك الملعب.

ما كان اللقاء ليرتدي هذه الأهمية لو كان الهلال الذي رسم الجنرال قاسم سليماني ملامحه مستقراً. التدخل الروسي العسكري دليل قاطع على أن إيران لم تستطع حسم النزاع في سورية. هوية المقاتلات التي تجوب أجواء العراق وسورية دليل آخر على صعوبة إدارة دمشق وبغداد وبيروت من طهران.

إنه لقاء الحاجة المتبادلة. لم يأتِ الجيش الروسي لحسم المعركة بالضربة القاضية. التدخل البري الواسع والحاسم غير وارد في حسابات الكرملين. على الأقل حتى الآن. بتدخلها منعت موسكو إسقاط النظام. تزايدت حاجتها إلى إطلاق عملية سياسية تجنبها الغرق في أفغانستان جديدة أو فيتنام روسية. يدرك بوتين خطورة الفوز بلقب «الشيطان الأكبر» في العالم السنّي. مسلمو روسيا وجوارها لا يستطيعون احتمال دور من هذه القماشة.

حاولت إيران عبثاً إعادة سورية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع النزاع المدمر. لم تنجح. اضطرت في النهاية إلى تجرع كأس التدخل الروسي. بوتين من جهته أقر أمام بعض زواره أن إعادة سورية إلى ما كانت عليه متعذرة. لهذا، يحتاج إلى تنازلات إيرانية لبلورة حل يمكن تسويقه إقليمياً ودولياً. والمسألة تتخطى ما بات يعرف بـ «عقدة الأسد» على رغم أهميتها. ويحتاج المرشد أيضاً إلى ضمانات من القيصر في شأن ملامح سورية الجديدة وتوازناتها الداخلية وموقعها الإقليمي وعلاقتها بلبنان و «حزب الله».

من حق إيران أن تبتهج لأن التدخل الروسي شكل بوليصة تأمين للنظام ومؤسساته. لكن ثمة ما يقلقها أيضاً. التنسيق الأمني الروسي - الإسرائيلي بالغ الدلالات. ترحيب روسيا بـ «الحليف» الفرنسي في محاربة «داعش» يفتح أبواباً كثيرة. تعرف إيران أن روسيا تعتبر أوكرانيا أهم من سورية. المرونة الأوروبية والغربية في كييف قد تدفع روسيا إلى إبداء مرونة في دمشق.

لا يكفي أن يتفق المرشد والقيصر على اقتلاع «داعش». بوتين نفسه يبحث عن تحالف دولي واسع، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن. السؤال هو من سيرابط في الأماكن التي سيتم تحريرها من «داعش» في سورية والعراق معاً؟ ومن يضمن عدم ظهور نسخة جديدة من «داعش» وأشد هولاً منها بعد أعوام؟ هذا يطرح مشكلة الدور السنّي في المنطقة الممتدة من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق. تحصين البيئة السنّية ضد جاذبية «داعش» يفرض بلورة حلول سياسية يكون المكون السنّي شريكاً كاملاً فيها. هذا يعني ضرورة معالجة بعض ملامح الهلال الذي رسمه قاسم سليماني.

لا أحد يحب تقريب كأس السم من شفتيه. لكن تجارب التاريخ القديمة والحديثة تقول أن تجرع قطرات من السم أفضل في الأزمات المعقدة من تجرع هزيمة مدوية أو التشبث بمواقف انتحارية. هذا يصدق على الفرقاء السوريين. يصدق أيضاً على المتحلقين حول الخريطة السورية المسكينة. والدواء الذي سترغم سورية على تناوله سيسري أيضاً في عروق الهلال.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين وخامنئي و «الهلال» بوتين وخامنئي و «الهلال»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia