الأيام الإيرانية

الأيام الإيرانية

الأيام الإيرانية

 تونس اليوم -

الأيام الإيرانية

غسان شربل

لا مبالغة في القول إن العالم يعيش أياماً إيرانية. يتصرف جون كيري كمن يلتفت باستمرار إلى ساعته. يلتقي نظيره محمد جواد ظريف ثم يجول موزعاً التطمينات كي لا نقول الضمادات. واضح أن الغارة التي شنها بنيامين نتانياهو على سياسة باراك أوباما لم تدفع الأخير إلى مراجعة حساباته. الأمر نفسه بالنسبة إلى ملاحظات الحلفاء ومخاوف الأصدقاء. توحي واشنطن بأن أقصى ما يمكن فعله هو السعي إلى اتفاق يمكن الدفاع عنه، وإقناع العالم به. تقول إن العقوبات أوجعت الاقتصاد الإيراني لكنها لم تمنع تقدم البرنامج النووي. تلمّح إلى أن البديل للاتفاق هو الحرب التي لا يريد أحد دفع أثمانها.

ثمة من يعتقد بأن الغرب وقع في الفخ الإيراني منذ سنوات حين ارتضى إعطاء الأولوية للملف النووي الإيراني، مكرساً تغاضيه عن الشق الأهم في البرنامج الإيراني، وهو الدور الإقليمي. بين الذين زاروا طهران في الأعوام الماضية من يعتقد بأنها مهتمة بامتلاك القدرة على صنع القنبلة أكثر من إنتاجها في الوقت الحاضر، وأنها تستطيع إرجاء موعد الإنتاج لأنها ليست مهدّدة بغزو خارجي تشكل القنبلة النووية «بوليصة تأمين» ضده. أول ما فعله أوباما كان إقناع إيران بأن أميركا لا تخطط لعمل عسكري ضدها، ولا تعتبر نفسها معنية بتغيير النظام الإيراني بالقوة.
أشغلت إيران الدول الغربية بمفاوضات البرنامج النووي وسرّعت عملية بناء الدور الإقليمي. في ظل المفاوضات النووية حرّكت بيادقها ببراعة. تكريس الدور لا يحتمل التأجيل. يمكن إرجاء ولادة القنبلة التي قد تأتي لاحقاً، لحماية دور كبير فرضته الوقائع الميدانية.
في ظل انشغال الدول الست بالاقتراحات والاقتراحات المضادة كانت إيران تُحدِث تغييرات كبرى على الأرض. كان أهم ما حققته منع سقوط النظام السوري. كان من شأن إسقاط هذا النظام أن يدمّر الاستثمار الإيراني الكبير في معركة الدور. من دون سورية الحليفة يصبح الدور الإيراني في لبنان محدوداً، كي لا نقول مهدداً. تنتقل المعركة بالكامل إلى المسرح العراقي، أي إلى مكان قريب من الحدود الإيرانية. ألقت طهران بثقلها في المعركة السورية ومنعت انتزاع الحلقة السورية من «هلال الممانعة». كانت المعركة السورية حاسمة، واضطرت إيران إلى تحريك جميع حلفائها أو التنظيمات التابعة لها لتقاتل في الداخل السوري، دفاعاً عن «تحفة» إيران في الإقليم.
يعيش الشرق الأوسط أياماً إيرانية بامتياز. هذا ما تؤكده أي قراءة واقعية للأوضاع. إذا شئتَ اليوم إعادة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى صنعاء وإعادة تحريك الحوار بين اليمنيين، عليك أن تتفاهم مع قائد «فيلق القدس» العميد قاسم سليماني. التفاهم يعني أن تعترف لإيران بأنها صاحبة دور كبير في اليمن.
إذا أردتَ اليوم إقناع النظام السوري بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضات السورية، والبحث جدياً عن حل، عليك التفاهم مع سليماني. والتفاهم يستلزم بالتأكيد التسليم بأن إيران هي اللاعب الخارجي الأول على المسرح السوري. مفتاح الحل في سورية موجود في طهران لا في موسكو.
دعكَ من الحوار بين «حزب الله» وتيار المستقبل. ودعكَ خصوصاً من هذا الحوار الدائر بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والذي يؤكد هشاشة ما بقي من دور للموارنة. إذا أردتَ رؤية رئيس جديد للجمهورية في لبنان عليك التفاهم مع سليماني. والتفاهم يعني أن تعترف لإيران بدور استثنائي في لبنان، يفوق الدور الذي كان لسورية فيه.
دعكَ من التجاذبات داخل المكوّن الشيعي في العراق. ودعكَ من قدرة نوري المالكي على إحراج خلفه حيدر العبادي. إذا أردتَ تهدئة الصدامات بين المكوّنات في العراق عليك التفاهم مع سليماني. مفتاح الاستقرار على الأرض موجود في طهران لا في واشنطن، على رغم احتكار الطائرات الأميركية للأجواء العراقية. تكفي الإشارة إلى أن واشنطن حرصت قبل إرسال مستشاريها إلى العراق، على نيل ضمانات إيرانية لسلامتهم.
في المقابل هناك من يعتقد بأن الفتوحات الإيرانية أكبر من قدرة المنطقة على الاحتمال. تماماً كما أن القنبلة الإيرانية أكبر من قدرة الدول الست على الاحتمال. ويقول هؤلاء إن التمزقات في العراق وسورية ولبنان واليمن سابقة لظهور «داعش» ومرشحة للاستمرار بعده. وأن الاستقرار في هذه الدول يحتاج إلى استرجاع توازنات بين المكوّنات، أخلّت بها الانقلابات الإيرانية . وثمة من يجزم بأن الأيام الإيرانية مفتوحة على نزاعات مديدة بسبب «أزمة موقع السنّة في الهلال» والمخاوف التركية والخليجية ولأن «القبول بدورٍ لإيران شيء والقبول بزعامة إيران للإقليم شيء آخر».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأيام الإيرانية الأيام الإيرانية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:53 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

اقتراح غلق 31 محلاّ مخلّا بشروط حفظ الصحة

GMT 10:52 2021 الخميس ,06 أيار / مايو

تراجع احتياطي تونس من العملة الأجنبية

GMT 16:38 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب "Annabelle Creation" يتخطى الـ298 مليون دولار إيرادات

GMT 18:44 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يقدم 550 ألف يورو لتنمية نواكشوط

GMT 11:11 2021 الأربعاء ,21 إبريل / نيسان

سيارة تونسية للطرق الوعرة من قطع "الخردة

GMT 18:50 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

إذاعة "الشباب والرياضة" تبحث عن مذيعيين ومراسلين

GMT 11:09 2015 الأحد ,29 آذار/ مارس

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرق ايران
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia