قمة شرم الشيخ  كيف تستعيد العواصم الأربع

قمة شرم الشيخ ... كيف تستعيد العواصم الأربع؟

قمة شرم الشيخ ... كيف تستعيد العواصم الأربع؟

 تونس اليوم -

قمة شرم الشيخ  كيف تستعيد العواصم الأربع

جورج سمعان

 الأسبوع الماضي كان الحدث الكبير الانتخابات الإسرائيلية وفوز بنيامين نتنانياهو. الحدث الكبير الآخر نهاية هذا الأسبوع هو مصير المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى. هناك أيضاً القمة العربية في شرم الشيخ. ولكن يبدو أنها ليست في الحسبان. لم يحدث أن حبس العالم أنفاسه أمام قرارات مثل هذه القمة. أي أنها ليست مفصلية ولا تطرح تحديات تستدعي إعادة نظر في حسابات ومصالح وسياسات واستراتيجيات وتحالفات. التركيز هذه الأيام، كما كان في السنتين الأخيرتين هو على مستقبل البرنامج النووي الإيراني. فضلاً عن قضايا أخرى ليس بينها موقف العرب مثلاً أو موقعهم. لذلك لا مبالغة في النظر إلى مستقبل الشرق الأوسط من منظار نتائج الحوار بين طهران وواشنطن. وسواء توصل المعنيون إلى اتفاق نووي أم لم يتوصلوا، فإن خريطة المنطقة تشهد كل يوم تغييرات جذرية. ليس أقلها انبعاث «الامبراطورية الفارسية» على ما يصرح مسؤولون إيرانيون، أخذتهم نشوة الانتشار، في «أربع عواصم عربية».

إن إبرام اتفاق مع إيران سيخلق بالتأكيد حقائق ومعطيات سياسية جديدة ستجد ترجمتها على الأرض تعاوناً بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية في كثير من الملفات. وعلى رأسها موقف الأخيرة من أمن إسرائيل وتسوية القضية الفلسطينية. فضلاً عن هذا الحضور الإيراني «الامبراطوري» في المنطقة. فهل تقفز واشنطن فوق علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع شركائها العرب في الخليج خصوصاً، وتغض الطرف عن زحف «الحرس الثوري» في الإقليم؟ وهل تكرر خطوتها في العراق وتتركه هذه المرة أيضاً تحت رحمة «الحشد الشعبي»؟ وهل توكل لطهران أمر سورية ومستقبلها، كما فعلت عندما أوكلت مصير لبنان إلى حافظ الأسد، عشية حرب تحرير الكويت؟

صورة الشرق الأوسط الجديد لا يتوقف تظهيرها على اجتماعات المفاوضين النوويين وحدها. ملامح الصورة تتغير جذرياً من سنوات. ولعل الفشل في إبرام اتفاق، وهو ما بات يرجح، سيترك آثاراً لا تقل أهمية عما يمكن أن يخلفه أي تفاهم. خطورة ما يحصل اليوم هو ما تحرزه إيران يومياً. إنها ترسخ حضورها قوة كبرى ومرجعاً أول في المنطقة. بالطبع على حساب العرب أولاً وأخيراً. وما يطلق يديها هو رفع الرئيس باراك أوباما منذ خوضه السباق الرئاسي شعار عدم خوض حروب جديدة، وتصفية الحروب التي شنها سلفه. ولم يعد هناك رادع يحول دون سعي دول عدة إلى ملء الفراغ الذي يخلفه غياب القوة الأميركية. إن عزوف الإدارة الأميركية عن الانخراط المباشر والتدخل العسكري في كثير من القضايا لم يدفع الآخرين إلى تحمل مسؤولياتهم فحسب، بل شجعهم على تحدي المصالح الأميركية في أكثر من إقليم. ومن صور ذلك احتدام المواجهة بين روسيا والغرب عموماً في أوكرانيا وغيرها. وهذا عامل آخر شجع ويشجع إيران وقوى أخرى على خوض صراعات هنا وهناك. على غرار ما كانت عليه الحال أيام الحرب الباردة. وما تشهده سورية واليمن بعد العراق خير دليل. إن مواقف موسكو المناهضة للغرب عموماً أتاحت للجمهورية الإسلامية هامشاً أوسع لتحركها ومد نفوذها السياسي والعسكري والأمني.

إلى شعار عدم التدخل العسكري، وضعت إدارة أوباما في رأس أولوياتها منع الانتشار النووي ومحاربة الإرهاب. وإذا كانت إيران مستعدة لتقديم كل ما يطلب منها لوقف برنامجها النووي من دون الحصول على القنبلة، وإذا كانت مستعدة للقتال إلى جانب التحالف كما يحدث في العراق وسورية، فلا شيء يحول دون التسليم بدورها المحوري في المنطقة. وإذا لم تستطع الإمساك بالقرار كاملاً في هذه العاصمة أو تلك فلا بأس بإعادة النظر في الخريطة كلها. لذلك توسلت منذ البداية دعم مجموعات مذهبية تلتقي معها عقائدياً أو سياسياً. لم تبالِ بغضب دول عربية ومخاوفها من تأجيج الصراع المذهبي. فلماذا يُطلب منها أو يتوقع أن تكون حريصة على وحدة العالم العربي ومجتمعاته ودوله؟

إيران ليست وحدها التحدي الأكبر. عوامل كثيرة ساهمت أو عجلت في انهيار ما بقي من النظام العربي. هنا تداعيات «الربيع العربي» تواصل تفكيك الدول الوطنية ودفع مكوناتها إلى حروب أهلية لا تتوقف، وتفتح الأبواب واسعة أمام مختلف أنواع التدخلات الخارجية. وهناك «الدولة الإسلامية» التي تطرح نفسها الدولة الند لحماية العالم العربي أولاً والإسلام السني بمواجهة إيران والغرب. وهي لم تتوقف عن العبث بخريطة الإقليم. أسقطت الحدود بين العراق وسورية. وعبرت فوق حدود أخرى. ضربت في ليبيا واستفزت مصر. وضربت أخيراً في تونس. لم تعد هناك دول عربية بمنأى عن الحرب التي يشنها الإرهابيون تحت رايات «داعش» أو «القاعدة» وما شاكلهما. هذه التنظيمات لا تهدد أنظمة الحكم القائمة أو الأمن الوطني والسلم الاجتماعي لهذه الدول فحسب. إنها استدعت وتستدعي التدخل العسكري الخارجي في طول الخريطة العربية وعرضها لمواجهة هذا الوحش الإرهابي. ولا شك في أن الحرب على الإرهاب وفرت للاعبين كبار قريبين وبعيدين أفضل السبل لتحقيق مكاسب على الأرض ما كان لهم أن يجنوها لولا انتشار هذه الحركات التكفيرية.

تركيا هي الأخرى تشكل تحدياً بقدر ما يمكن أن تكون حليفاً طبيعياً إذا غلبت وبعض خصومها العرب مصالح الإقليم واستقراره على المصالح الضيقة هنا وهناك. السياسات التي يطلقها رجب طيب أردوغان بالدفع نحو استعادة زمن السلطنة العثمانية لا تطمئن جيرانه العرب. ما زالت سورية بالنسبة إليه «درة التاج العثماني» كما كانت في أدبيات السلاطين. ما زالت البوابة الرئيسية التي تتيح لسادة إسطنبول العبور نحو الشرق والجنوب. تركيا التي تكاد تشيح نظرها نهائياً عن أوروبا تجهد بكل السبل لبناء جسورها مع «الأقاليم» العربية، من ليبيا حتى الصومال واليمن! تركيا المنضوية في حلف شمال الأطلسي يمكنها عند الضرورة القصوى أن تفيد من ترسانته وصواريخه. إذ لا يغيب عن بالها مثلما لا يغيب عن بال دول عربية كثيرة أن قوة إيران ليست في صنع قنبلتها النووية وتمددها في الإقليم فحسب، بل كذلك في برنامجها الصاروخي المتطور.

وبين «الصحوتين» الفارسية والعثمانية، وقيام «دولة الخلافة»، لا يغفل الكرد عن صحوتهم. يتقدمون في كل من العراق وسورية نحو تحقيق طموحاتهم. فإذا لم يكن الاستقلال الناجز متوافراً اليوم لغياب الظروف الإقليمية والدولية الملائمة، فإن الأحداث الدائرة في «أرض الخلافة» تدفعهم خطوة إلى أمام. وتمهد لرسم صورة جديدة لخريطة بلاد الشام عموماً. إن تصاعد الحروب الأهلية والمذهبية تساعد الكرد والأقليات الأخرى في المنطقة على تحقيق الكثير مما كان محظوراً من طموحاتها. لذلك باتت عودة الدولة المركزية في بلاد الشام إلى سابق عهدها من المستحيلات.

وهناك أيضاً نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي اختار فيها الإسرائيليون التجديد لبنيامين نتانياهو. وكانت كل الاستطلاعات توقعت خسارته أمام المعسكر الصهيوني. لكن وعده الناخبين بالعمل على منع قيام الدولتين قلب كل الحسابات. كرس انحياز الإسرائيليين إلى التشدد والتطرف، بعدما توالت أصوات اليمين تحذرهم من تطرف المسلمين بجناحيهم، «الداعشي» والنووي الإيراني. السير خلف وعود زعيم ليكود لا يرفع التحدي في وجه قرار الرئيس باراك أوباما بالسعي إلى إقامة دولة للفلسطينيين فقط. إنه يسقط أيضاً المبادرة العربية التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت يوم كان ولياً للعهد. أي أن على الجامعة العربية البحث عن خطة جديدة أو استراتيجية مختلفة للتعامل مع القضية الفلسطينية و...»الدولة اليهودية الخالصة والنقية».

سلسلة التحديات المصيرية طويلة، ولا يملك العرب ترف الانتظار، أو الانسياق وراء رهان بعضهم على الموقف الأميركي. القمة العربية تنعقد نهاية هذا الأسبوع في شرم الشيخ التي استقبلت القادة العرب في مثل هذا الشهر من العام 2003، عشية الغزو الأميركي للعراق. أكملوا يومها ما كانوا فعلوه في قمة القاهرة إثر الغزو العراقي للكويت. أعطوا الضوء الأخضر لقيام التحالف الدولي من أجل تحرير الكويت. لكنهم بعد ذلك لم ينجحوا طوال عقد ونيف في معالجة أزمة هذا البلد العربي الذي عانى لسنوات بسبب الحصار والعقوبات. لم يفلحوا في إقناع قيادته بالتنحي. فشلوا في استعادته إلى صفوف الجامعة وإبعاد كأس الاحتلال الأميركي عنه. تركوا للولايات المتحدة أمر إسقاط نظام البعث وبناء نظام جديد بالتفاهم مع إيران التي انتهت مقيمة في قلب بغداد، ثم دمشق فبيروت وصنعاء... وربما في عدن بعد أيام!

قمة شرم الشيخ قبل عقد ونيف لم تنقذ العراق من كأس الغزو الأميركي، وكانت للعرب يومها بقية من قوة، فهل يمكن القمة الجديدة آخر الأسبوع إعادتهم إلى قلب المشهد لاعباً كبيراً لوقف تزاحم «الامبراطوريات» على تنازع خريطة الإقليم؟ إذا لم تطلق القمة دينامية تواكب المفاوضات مع إيران سواء أثمرت أو فشلت، وترغم كل اللاعبين في المنطقة على إعادة النظر في حساباتهم وطموحاتهم وخططهم، ستطول معاناة أهل الشام وشمال أفريقيا مع تدخل المتدخلين، ومع تمدد «الدواعش» وأضرابهم. هل تملك القمة ما يمكنها من إطلاق مسيرة استعادة العواصم الأربع؟ هل يكفي الرهان على مصر واستعادتها ودورها، وهو أمر دونه ظروف وشروط اقتصادية يجب توافرها أولاً؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة شرم الشيخ  كيف تستعيد العواصم الأربع قمة شرم الشيخ  كيف تستعيد العواصم الأربع



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia