فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة

فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة

فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة

 تونس اليوم -

فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة

خيرالله خيرالله

لم يكن الاعتراض الأميركي في مجلس الأمن على مشروع القرار العربي في شأن وضع حد للاحتلال الإسرائيلي مفاجأة. يعكس الموقف الأميركي الضعف المزمن الذي تعاني منه إدارة أوباما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

مهما حاولت الولايات المتحدة إصلاح موقفها من التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بغية الظهور في مظهر الوسيط المحايد، فإن الضرر قد حصل. تبيّن، بكل بساطة، أن إدارة باراك أوباما تخشى إسرائيل ولا يمكن أن تمارس أي نوع من الضغوط عليها عندما يتعلّق الأمر بالأساسيات. وكلمة الأساسيات تعني أوّل ما تعني الانتهاء من الاحتلال.

من هذا المنطلق، لم يكن الاعتراض الأميركي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع القرار العربي في شأن وضع حدّ للاحتلال الإسرائيلي مفاجأة. يعكس الموقف الأميركي الضعف المزمن الذي تعاني منه إدارة باراك أوباما عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل.

كذلك، يعكس شبه الفيتو الأميركي، الذي لم تكن الإدارة في حاجة إلى استخدامه، العجز عن أن تكون هناك مقاربة أميركية شاملة لمشاكل الشرق الأوسط وأزماته. هذا الشرق الذي يعاني من “داعش” السنّية والدواعش الشيعية التي شجّعت على قيامها السياسة التوسّعية لإيران. إنّها تلك السياسة التي قامت على الاستثمار في الغرائز المذهبية في المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، وصولا إلى اليمن الذي يشهد حاليا عملية مبرمجة تصبّ في الانتهاء من مؤسسات الدولة عن طريق تدميرها، أو على الأصحّ القضاء على ما بقي منها…

جاء الموقف الأميركي في سياق التراجع المستمر الذي يصب في مصلحة سياسة إسرائيلية تراهن على عامل الوقت من أجل تكريس الاحتلال لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. كان أفضل تعبير عن هذه السياسة ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق شامير عندما اضطرّ إلى المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام أواخر العام 1991.

شكّل المؤتمر، وقتذاك، المحاولة الجدّية الأولى لربط مشاكل الشرق الأوسط ببعضها البعض، والخروج بتسوية شاملة في ما يخصّ القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للجولان. قال شامير، في سياق تفسير اضطراره إلى المجيء إلى العاصمة الأسبانية، أن إسرائيل ستفاوض لعشر سنوات من أجل تمرير الوقت، وفرض واقع جديد على الأرض.

بعد ثلاثة وعشرين عاما وبضعة أشهر على مؤتمر مدريد، لم يتغيّر شيء في السياسة الإسرائيلية. حلّ بنيامين نتانياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية. كان نتانياهو في 1991 الناطق باسم الوفد الإسرائيلي في مؤتمر مدريد الذي انعقد برعاية أميركية – سوفيتية بحضور الرئيس جورج بوش الأب والزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف الذي كانت إمبراطوريته على شفا الانهيار.

يؤمن نتانياهو، مثله مثل شامير، بأنّ هناك شيئا اسمه التفاوض من أجل التفاوض. هناك تفاوض، وهناك على الأرض متابعة لعملية بناء المستوطنات من أجل فرض الاحتلال وتكريسه.

ما تغيّر أن إدارة بوش الأب حاولت قطع الطريق على هذه السياسة الإسرائيلية، ودفعت ثمنا لذلك. فشل بوش في الحصول على ولاية رئاسية ثانية بعدما حاربته إسرائيل داخل الولايات المتحدة نفسها. أمّا باراك أوباما، فقد استسلم سريعا لنتانياهو، خصوصا عندما اكتشف أنّ في استطاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدّيه في الكونغرس.

لا يمكن إلقاء كلّ اللوم على إدارة أوباما التي تفضّل التفرّج من بعيد على ما يدور في الشرق الأوسط، متجاهلة أنّ الحرب على “داعش” لا تخاض عن طريق مراعاة النظام السوري الذي يذبح شعبه يوميا من جهة، والسكوت عن الدواعش الشيعية من جهة أخرى.

لا شك أنّ الموقف الفلسطيني ضعيف وأنّه يعاني من الانقسام القائم بين الضفّة الغربية وغزّة. لا شكّ أيضا أن القضية الفلسطينية تراجعت عربيا وإقليميا. لم يستطع المشروع العربي الحصول على الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن من أجل تمريره، في حال قرّرت الإدارة الأميركية تفادي اللجوء إلى الفيتو. هناك دولتان أفريقيتان، هما نيجيريا ورواندا، امتنعتا عن التصويت. في الماضي كان الموقف العربي يحظى دائما بدعم أفريقي قوي، خصوصا من دولة مثل نيجيريا.

تغيّر العالم. ولّت تلك الأيام التي قطعت فيها معظم الدول الأفريقية العلاقات مع إسرائيل تضامنا مع ما كان يعتبره العرب قضيّتهم الأولى.

لعلّ أكثر ما يثير القلق أن الموقف الأميركي الرافض لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال يعني أمرين، الأوّل أن واشنطن انضمّت إلى الموقف الإسرائيلي القائم على التفاوض من أجل التفاوض من دون مرجعية واضحة لعملية السلام. أمّا الأمر الثاني فهو يتمثّل في العجز عن استيعاب أنّ الظلم اللاحق بالفلسطينيين يساعد في تعزيز التطرّف في الشرق الأوسط، وهذا ما نبّه له وما يزال ينبّه له منذ سنوات، وفي كلّ مناسبة، الملك عبدالله الثاني. نبّه العاهل الأردني إلى ذلك منذ ما قبل وصول أوباما إلى البيت الأبيض، محذّرا من داخل الكونغرس من خطورة تجاهل القضية الفلسطينية، وانعكاس ذلك على الاستقرار في الشرق الأوسط كلّه.

ليس بمثل هذه السياسة الأميركية التي تطمئن إسرائيل إلى أن في استطاعتها متابعة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلّة، يمكن محاربة “داعش”. من يشكو من “داعش” السنية لا يتجاهل الدواعش الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري الذي يذبح شعبه من منطلق مذهبي. هذه الدواعش تقاتل أيضا في مناطق عراقية معيّنة، مثل بعض أحياء بغداد، من أجل طرد من بقي من السنّة. وصل الأمر أخيرا إلى قتل رجال دين في البصرة بغية الانتهاء من الوجود السني في المدينة. الغريب أن لا ردّ فعل أميركيا على كل هذه الممارسات. ولد الموقف الأميركي شعورا بأن الجرائم التي ترتكب في العراق في حق السنة، إنما ترتكب على كوكب آخر.

من يشكو من “داعش” لا يقبل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بل يعمل على تثبيت مرجعية السلام، أي حدود 1967.

هل انضمت أميركا – أوباما إلى إسرائيل في اعتبار الضفّة الغربية “أرضا متنازعا عليها” وليست أرضا محتلّة، كما تؤكّد قرارات الشرعية الدولية؟

يبدو الأمر كذلك، لا لشيء سوى لأنّ واشنطن ترفض الإجابة عن سؤال واضح كلّ الوضوح: هل هي مع استمرار الاحتلال أم مع الانتهاء منه، وذلك بغض النظر عن الضعف الفلسطيني الذي يكشفه إصرار “حماس” على تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو الأسوأ، بدل المساهمة في الجهود الهادفة إلى الانتهاء من الاحتلال؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة فلسطين جزء من العجز الأميركي في المنطقة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia