عمق التغيير في اليمن

عمق التغيير في اليمن

عمق التغيير في اليمن

 تونس اليوم -

عمق التغيير في اليمن

خيرالله خيرالله

هناك سلسلة من الأحداث بالغة الأهمية توالت في الأسابيع الثلاثة التي تلت سيطرة الحوثيين، أي “أنصار الله”، على صنعاء ووصولهم إلى الحديدة، الميناء اليمني الأهمّ على البحر الأحمر.

تؤكد هذه الأحداث وجود سلطة تعلو على سلطة رئيس الجمهورية. منع الحوثيون الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي من اختيار رئيس للوزراء. رضخ عبدربّه للأمر بعدما وجد الشخص الذي سماه للموقع مخرجا. تمثّل المخرج، وكان لائقا، باعتذار أحمد عوض بن مبارك عن عدم تولي المهمّة كاشفا مدى عمق التغيير الذي حدث في اليمن. لم يعد في الإمكان تشكيل حكومة يمنية من دون موافقة “أنصار الله”. صارت هناك سلطة عليا في البلد.

سمّى الحوثيون ثلاثة أشخاص يصلحون، من وجهة نظرهم، لتولي رئاسة الوزارة. اختار الرئيس الانتقالي أحدهم وهو خالد بحاح. بات هناك من يعيّن رئيس الوزراء اليمني ويتحكّم بكل المواقع الأساسية في السلطة لا أكثر ولا أقل. بكلام أوضح، باتـت هنـاك مرجعية للدولـة ولرئيس الجمهورية. صار لليمن “مرشد”، كما الحـال في إيـران… أو إمـام، في حـال كان مطلوبا مراعاة خصوصية البلد وتركيبته.

من أجل محاولة فهم التطورات اليمنية، لابدّ من الإشارة قبل كل شيء، إلى أنّ بدرالدين عبدالملك الحوثي، زعيم “أنصار الله”، اعتبر صراحة أن “الثورة انتصرت في اليمن”. قال، بالحرف الواحد، في رسالة وجهها إلى اليمنيين بمناسبة عيد الأضحى المبارك: “نجدد تهنئتنا لشعبنا اليمني العظيم بانتصار ثورته المباركة في الحادي والعشرين من سبتمبر في مواجهة طغيان الفاسدين”.

بالنسبة إلى الحوثي، وهو شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، هناك نظام جديد في اليمن قضى على “الجمهورية” التي أعلنت في السادس والعشرين من سبتمبر 1962. حلّت “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر” مكان “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر”.

هناك من يريد أن يأخذ علما بذلك، وهناك من يرفض أخذ العلم بما حصل. ما حصل كان لحظة تاريخية في اليمن. انتقل اليمن من حال إلى حال. انتقل من نظام إلى نظام. انتهى النظام الذي كان قائما مع انتقال الحوثيين إلى صنعاء وتوليهم الأمن فيها وسيطرتهم على المؤسسات الرسمية والمعسكرات.

هناك ميليشيا مذهبية دخلت العاصمة وباتت تفرض الأمن فيها. إنّه أمن من نوع خاص مرتبط بإرادة “أنصار الله” الذين يعطون الأمان لهذا الشخص أو ذاك، ويرفعون الغطاء عن شخص آخر يجد نفسه مضطرا إلى ترك البلد.

باختصار شديد، كان فرض الحوثيين على الرئيس الانتقالي التراجع، دليلا على وجود توازن جديد للقوى في البلد. هذا التوازن لمصلحة “أنصار الله” الذين صاروا في الحديدة ويطمحون إلى بلوغ باب المندب. هؤلاء فرضوا على عبدربّه منصور توقيع اتفاق “السلم والشراكة” الذي يعني بصراحة تجاوز المبادرة الخليجية.

أكثر من ذلك، اضطرّ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر إلى رعاية الاتفاق الجديد الذي يعكس واقعا مختلفا كان يفترض بالأمم المتحدة التبرؤ منه بدل مباركته. هذا الواقع المفروض بقوة السلاح نتيجة انتصار عسكري كبير حقّقه الحوثيون في عمران، مهّد لاحقا لدخولهم العاصمة. دخلوا العاصمة التي كانوا فيها أصلا، فيما كان بنعمر يتفاوض معهم في صعدة!

هذا الواقع الجديد يعني، أيضا، أن كلّ الكلام عن مؤتمر الحوار الوطني ونتائجه لم يعد له أساس. صارت الأقاليم الستة في “الدولة الاتحادية” جزءا من ماض عفا عليه الزمن وتجاوزته الأحداث.

من يحكم جزءا من اليمن حاليا، بمن في ذلك العاصمة، هم “أنصار الله”، أي إيران. العلاقة بين الجانبين عضوية. يفرض “أنصار الله” من يريدون رئيسا للوزراء في اليمن، مثلما يفرض “حزب الله” التابع لإيران في لبنان الفراغ الرئاسي في الوطن الصغير، ومثلما فرض في الماضي حكومة برئاسة نجيب ميقاتي.

من لا يعترف بالخريطة السياسية الجديدة في اليمن كلّه، إنّما يرفض الاعتراف بالواقع، بما في ذلك أن القوى القبلية التي كانت جزءا من المعادلة اليمنية لم تعد قادرة، إلى إشعار آخر، على ممارسة دورها. هذا دور ذو حسنات وذو سيئات، لكنّه كان في الماضي القريب حقيقة لا مفرّ من التعامل معها.

حسنا، سيطر الحوثيون على صنعاء، وعلى معظم الشمال اليمني. سيطرت إيران على القرار السياسي في جزء من اليمن، وبات همّها السيطرة على مضيق باب المندب وتأمين منفذ بحري للحوثيين في محافظة حجّة. ولكن ماذا عن المناطق الأخرى؟ ماذا عن الوسط وماذا عن الجنوب؟

الأكيد أن اليمن تغيّر. ولكن، كما أن هناك الآن رئيسا انتقاليا في البلد، يمرّ اليمن كلّه بمرحلة انتقالية. الوسط الشافعي، حيث التجمع السكّاني الأكبر، في حالة مخاض وضياع كبير، خصوصا في غياب من يقود المنطقة ويمتلك مشروعا خاصا بها أو مشروعا ذا طابع وطني.

أمّا في الجنوب، فهناك قوى جديدة تفرض نفسها على أرض الواقع. هذه القوى إسلامية في معظمها. ليس بعيدا أن نجدها تسيطر على مدينة عدن أو المكلا قريبا. كذلك، ليس بعيدا أن يزداد انتشار “القاعدة” في محافظات أبين وشبوة وحتّى في حضرموت. فالملفت أن الزعماء التقليديين الذين كانوا يعتقدون أن لديهم قواعدهم في اليمن الجنوبي صاروا مهمّشين. حال هؤلاء كحال آل الأحمر في الشمال الذين كانوا إلى ما قبل فترة قصيرة زعماء حاشد، والذين دفعوا ثمن انقلابهم على الرئيس علي عبدالله صالح بمشاركة الإخوان المسلمين وقائد عسكري هو اللواء علي محسن صالح الأحمر.

اختلطت الأوراق في اليمن. ولكن ماذا سيفعل الحوثيون بانتصارهم؟ هل لديهم غير الشعارات البرّاقة يرفعونها؟ ماذا تعني “الصرخة” التي يطلقونها: “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”؟ ثم ماذا يعني الكلام عن “الدولة العادلة”؟ من لديه تفسير للدولة العادلة؟ هل في العالم دولة عادلة؟ لو كانت إيران دولة عادلة، لما كان نصف شعبها تحت خط الفقر في أقل تقدير.

ثمّ من الفاسد، ومن غير الفاسد في اليمن؟ من يقرّر أن فلانا فاسد يجب محاسبته، فيما معروف تماما أن الحوثيين لا يترددون في التعامل مع فاسدين من الدرجة الأولى، عندما يتعلّق الأمر بحماية مصالحهم؟

هناك خاسرون ورابحون في اليمن. هناك قوى صاعدة وهناك قوى انتهى دورها وهي لا تريد أن تأخذ علما بذلك. الأمر الوحيد الثابت، أقلّه إلى الآن، أن الحوثيين هم من يحكم صنعاء ومن يتحكّم بالقرار السياسي فيها. هل سيكون ذلك كافيا لحكم اليمن وجعله مستعمرة إيرانية؟

من يعرف اليمن، ولو قليلا، يستطيع أن يسمح لنفسه بالقول أن اليمن الذي عرفناه انتهى، لكنّ اليمن الجديد لن يكون، بالضرورة، مجرّد جرم في الفلك الإيراني. من لا يستطيع إطعام شعبه لا يستطيع، في المدى الطويل مدّ نفوذه إلى اليمن حيث ملايين الجائعين…

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمق التغيير في اليمن عمق التغيير في اليمن



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia