سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا وأوباما

سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا... وأوباما

سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا... وأوباما

 تونس اليوم -

سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا وأوباما

خيرالله خيرالله

الثورة السورية كشفت جهات عدة. كشفت روسيا وكشفت إيران وكشفت تركيا. كشفت إدارة أوباما التي تبدو مستعدة لكل نوع من المساومات إرضاء لإسرائيل وإيران في الوقت ذاته.

ليس للسوري سوى السوري. كل ما تبقى مضيعة للوقت لا يفهم معناها سوى السوريين أنفسهم، وأولئك الذين يعرفون سوريا عن كثب والذين يدركون أن ثورة الشعب السوري لا يمكن أن تتوقّف إلّا بعد خروج بشّار الأسد من السلطة بكل ما يمثّله.

لا يمكن لهذه الثورة أن تتوقف لسبب في غاية البساطة. هذا السبب عائد إلى أنّ الشعب السوري كسر حاجز الخوف. كسر هذا الحاجز سرّ صمود سوريا وشعبها. كان هذا الحاجز الهزيمة الأولى بالضربة القاضية للنظام الذي أقامه حافظ الأسد والذي في أساسه زرع الخوف في سوريا، وفي قلب كلّ سوري وفي قلب كلّ مكان يمكن أن تصل إليه يده. بكسر السوريين لحاجز الخوف، لا عودة إلى الخلف أيّا يكن الثمن، وأيّا يكن عدد الضحايا.

هناك جيل من السوريين ثار في مارس 2011. هذا الجيل الشاب قال أفراده لأهلهم أنّ لا مجال للتراجع ولا مجال لقبول ما قبل به الأهل، من أباء وأجداد، منذ وصول البعث إلى السلطة عام 1963 ومنذ تحوّل سوريا، على مراحل، من حكم البعث المدني… إلى الحكم المحصور في مجموعة من الضباط العلويين… إلى حكم حافظ الأسد، وصولا إلى حكم العائلة والمنتفعين منها في مرحلة ما بعد توريث الأسد الأب السلطة وسوريا إلى الأسد الابن.

كشفت الثورة السورية جهات عدّة. كشفت روسيا وكشفت إيران وكشفت تركيا. كشفت، أوّلا وأخيرا، إدارة باراك أوباما التي تبدو مستعدة لكل نوع من المساومات إرضاء لإسرائيل وإيران في الوقت ذاته. إنّها إدارة تؤمن بكل بساطة بأنّ إيران وإسرائيل مفتاحا المنطقة، على أن يترافق ذلك مع مراعاة لتركيا التي لا مفرّ من الاعتراف بثقلها الإقليمي.

بالنسبة إلى روسيا، تبين أن موسكو لا تزال في العصر السوفيتي. تعتقد أنّ الحرب الباردة مستمرّة، وأن سوريا بين بيادقها في الشرق الأوسط. ليس صحيحا أن روسيا مهتمّة بميناء طرطوس. هذا كلام تجاوزه الزمن. روسيا لا تعرف شيئا عن سوريا، على الرغم من أنّها مهتمة بالغاز السوري وبأنابيب النفط الآتي من الخليج التي يمكن أن تمرّ عبر الأراضي السورية. لا تعرف روسيا، قبل أيّ شيء آخر، أن النظام السوري غير شرعي، وأنه نظام أقلوي مرفوض من شعبه. لم يبلغها بعد أن الشعب السوري يرفض أن يكون محكوما من عائلة علوية احتكرت كلّ شيء في سوريا، وقرّرت أن يكون البلد مجرّد مزرعة لآل الأسد وآل مخلوف وآل شاليش، والمحيطين بتلك العائلات والدائرين في فلكها في سوريا ولبنان.

كان الرهان الدائم لروسيا، وقبل ذلك الاتحاد السوفيتي، على تكريس الضعف العربي. لذلك أخذت موسكو العرب إلى الهزيمة في العام 1967. في أساس الهزيمة، التي يعتبر جمال عبدالناصر المسؤول الأوّل عنها، النظام السوري الذي ورّط مصر في الحرب وترك الجولان يسقط في يد الإسرائيليين متذرعا بأن المهم عدم سقوط النظام “الوطني” الذي نشر البؤس في سوريا وأوصلها إلى ما وصلت إليه اليوم!

الاتحاد السوفيتي هو روسيا. وروسيا هي الاتحاد السوفيتي. لذلك، يبدو طبيعيا تمسّك موسكو ببشّار الأسد الذي أخذ على عاتقه إحراق سوريا وتفتيتها والانتهاء من السوريين عن طريق تشتيتهم وتحويلهم إلى لاجئين، حتّى داخل سوريا نفسها.

بالنسبة إلى إيران، تظلّ سوريا الجائزة الكبرى، ولكن بعد العراق ولبنان الذي تختزله طهران بـ“حزب الله” واستثمارها فيه. لا يمكن معرفة مدى تمسّك إيران بسوريا إلّا متى أدركنا أنّ خسارتها لها ستكون لها نتائج كارثية على مستقبل “حزب الله”. ولذلك، نرى إيران تعمل كلّ ما تستطيع لإبقاء سوريا جرما يدور في فلكها، معتمدة بشكل خاص على الميليشيات المذهبية من جهة، وعلى الخطة البديلة المتمثلة في إقامة الدويلة العلوية ذات الامتداد اللبناني من جهة أخرى.

يتبين مع مرور الوقت أن إيران لا تعرف شيئا عن سوريا، حتّى لو نجحت في شراء مساحات شاسعة من الأراضي في دمشق ومناطق أخرى، وحتّى لو استطاعت تهجير كلّ السنّة الذين يقفون في وجه مشروع الدويلة العلوية. هذا المشروع ولد ميّتا، على الرغم من أنه يلتقي مع المشروع الإسرائيلي الأصلي المتمثل في إقامة دويلات طائفية في الشرق الأوسط.

في سوريا، انكشفت تركيا وذلك على الرغم من التسهيلات التي قدّمتها، مشكورة، للاجئين السوريين. تبيّن أن رجب طيب أردوغان لا يمتلك سياسة واضحة قابلة للتطبيق ولا الوسائل اللازمة لتنفيذ هذه السياسة الطموحة التي تبقى أسيرة الفكر الإسلاموي الضيّق للرئيس التركي الذي يعتقد أنّ الإخوان المسلمين يمتلكون حلا سحريا لمشاكل المنطقة.

قال المسؤولون الأتراك كلاما كبيرا بعيد اندلاع الثورة السورية. بقي الكلام كلاما في غياب القدرة على إقامة منطقة آمنة يمكن أن يلجأ اليها السوريون وتوفير مدينة يمكن أن تقيم فيها قيادة المعارضة. على العكس من ذلك، لم تستطع تركيا لعب دور إيجابي في مجال توحيد المعارضة، خصوصا بعدما تبيّن أنّها أسيرة العقدة الكردية من جهة، والفكر الإخواني من جهة أخرى.

باعت إدارة أوباما السوريين الأوهام. رسمت الخطوط الحمر التي حذرت النظام من تجاوزها. ظهر جليا أن أوباما يرى كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر. كانت نقطة التحوّل قبل سنتين بالتمام والكمال عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في المواجهة التي يخوضها مع الشعب السوري. أنقذت روسيا النظام السوري من العقاب عندما طرحت على بشّار التخلي عن ترسانته الكيميائية. لا تزال إدارة أوباما حائرة من أمرها. لا تزال تراهن على أن الوقت كفيل بأن يأتي بحلّ للأزمة السورية. تتحدث عن الحرب على “داعش” الحليف الموضوعي لنظام بشّار الأسد، ولا ترى البراميل المتفجّرة التي تستهدف السوريين في دوما وغير دوما. ليس مفهوما كيف يمكن لأوباما البقاء متفرّجا على المأساة التي تتعرض لها دوما القريبة من دمشق.

ليس لدى السوريين من خيار آخر غير الصمود. إنّهم يدفعون غاليا ثمن الأزمة التي عاشها بلدهم منذ ما قبل وصول البعث، بكلّ تخلّفه، إلى السلطة. الجانب الأكيد والثابت أنّ الشعب السوري أظهر قدرة غير طبيعية على الاستمرار في المقاومة. إنّه المقاوم والممانع الحقيقي في زمن تخلّى فيه الجميع عن سوريا، واعتبروها حقل تجارب لما يمكن أن يكون عليه الشرق الأوسط الجديد.

إنّه الشرق الأوسط الذي لا يزال يعاني من آثار الزلزال الذي تسبّب فيه انهيار العراق نتيجة الاحتلال الأميركي في العام 2003، واعتقاد إيران أن أبواب المنطقة صارت مفتوحة لمشروعها التوسّعي المرتكز على إثارة الغرائز المذهبية ولا شيء آخر غير ذلك.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا وأوباما سوريا كشفت روسيا وإيران وتركيا وأوباما



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia