حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية بين مفلسين

حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية.. بين مفلسين

حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية.. بين مفلسين

 تونس اليوم -

حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية بين مفلسين

خيرالله خيرالله

لا يمكن إلّا الترحيب بالمصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية. ذهبت «فتح» إلى غزّة واتفقت مع «حماس» على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ كفاءات سيعلن عنها في غضون خمسة أسابيع كما يقول الإتفاق. كذلك، سيحدّد، بموجب الإتفاق أيضا، موعدان للإنتخابات الرئاسية والتشريعية بعد ستة أشهر من الآن. 
هل طوت المصالحة صفحة الكيانين الفلسطينيين المنفصل كلّ منهما عن الآخر؟ هل طوت صفحة الإمارة الطالبانية التي أقامتها «حماس» في القطاع؟ هل يستعيد الفلسطينيون الوجه الحضاري لشعب قاوم الظلم الذي تعرّض له تاريخيا عن طريق التعليم والإنفتاح على العالم قبل أي شيء آخر؟ 
إلى الآن، تبدو الأمور وكأنها تسير في الطريق الصحيح، خصوصا إذا استطاع الجانبان توفير مضمون للمصالحة يشكّل ردّا يفحم المسؤولين الأميركيين الذين علّقوا على ما حصل على نحو سلبي. إعتبر الجانب الأميركي المصالحة «خيبة»، فيما ذهبت إسرائيل إلى حدّ تعليق المفاوضات التي تجريها مع السلطة الوطنية... 
كشف المسؤولون الأميركيون، من خلال رد فعلهم، أن كلّ ما تبحث عنه واشنطن هو مبرر للإنسحاب من العملية السلمية التي يفترض أن تكون راعية لها والتي خصّص لها وزير الخارجية جون كيري وقتا طويلا ملأ به الفراغ الناجم عن تهميش البيت الأبيض لوزارته. 
همّش البيت الأبيض في عهد باراك أوباما وزارة الخارجية والدور المفترض بها تأديته على الصعيد الدولي. 
لم تكن الإدارة الأميركية جدّية في التوصل إلى تسوية تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الدليل على ذلك ترك الوزير كيري يهتمّ بالملف. لذلك، ليس مستبعدا أن تستغلّ واشنطن المصالحة لتعود سالمة إلى حيث تريد العودة، أي إلى التفرّج على إسرائيل تكسب الوقت وتراهن عليه من أجل تكريس الإحتلال لقسم من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
في ضوء هذه المعطيات، كان طبيعيا أن يذهب الفلسطينيون إلى المصالحة. السلطة الوطنية، أي «فتح» في حاجة إليها للقول أن لديها خيارات أخرى غير التفاوض من أجل التفاوض مع حكومة بنيامين نتانياهو. 
لا شكّ أن «فتح» ومعها السلطة الوطنية في أزمة عميقة في أساسها التعنت الإسرائيلي الذي أدى إلى انسداد كامل لأفق المفاوضات. ولكن، هناك سبب آخر لا مفرّ من الإعتراف به لتفسير أزمة السلطة و«فتح» في آن. 
هذا السبب عائد إلى الرغبة في التخلص من أي كفاءات في أيّ مجال كان. لم يعد من مكان في الإدارة الفلسطينية سوى للفاشلين. هل صدفة أن السلطة و«فتح» لم تتمكنا من تحمّل حكومة سلام فيّاض، ففضّلتا الفراغ على وجود حكومة تمثّل أفضل شيء حصل للفلسطينيين منذ سنوات طويلة.
أمّا «حماس»، فكانت في حاجة إلى لعبة جديدة تمارسها للهرب من الإعتراف بفشلها وإفلاسها علي كلّ صعيد. فشلت سياسيا وفشلت إجتماعيا. النجاح الوحيد الذي حقّقه الإخوان المسلمون في غزّة يتمثّل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بأخذه إلى مزيد من التخلّف. فضلا عن ذلك، عملت «حماس» كلّ ما يمكن عمله من أجل تحويل غزّة إلى قاعدة تستخدم للإساءة إلى مصر. بدل أن يكون القطاع، الذي إنسحبت منه إسرائيل في آب ـ اغسطس مثالا يحتذى به لما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية مستقلة قادرة على العيش بأمان وسلام مع محيطها، حوّلت «حماس» غزّة إلى ساحة تنتشر فيها فوضى السلاح التي لم تجرّ على الفلسطينيين في يوم من الأيّام سوى الويلات.
فوق ذلك كلّه، نجحت «حماس» في مجال واحد هو خدمة السياسة الإسرائيلية من جهة وإضعاف موقف السلطة الوطنية في رام الله من جهة أخرى. كانت الصواريخ التي تطلق من القطاع أفضل هدية يمكن أن تحلم بها إسرائيل التي فرضت على غزّة حصارا ظالما وقف العالم أمامه متفرّجا. هناك حنين إسرائيلي ليس بعده حنين إلى هذه الصواريخ التي تسمح لها بالقول أن لا وجود لشريك فلسطيني.
هل يمكن لمصالحة بين طرفين مأزومين ومفلسين أن تؤدي إلى أي إيجابية من أيّ نوع كان؟ 
الجواب أن ذلك ممكن شرط إقتناع «حماس» أن مشروعها الإخواني القائم على المساهمة في التغيير في مصر إنتهى إلى غير رجعة. فشل مشروع نشر الإرهاب في سيناء إنطلاقا من غزّة. وفشل مشروع تقديم نموذج طالباني يمكن لمصر الإقتداء به.
ما يمكن أن ينقذ المصالحة هو العودة إلى البديهيات. وهذه العودة تعني أوّل ما تعني أن على «حماس» القبول بالمشروع الوطني الفلسطيني الذي إسمه البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا المشروع الذي أقرّه المجلس الوطني الفلسطيني في العام والذي أعلن على أساسه قيام دولة فلسطينية مستقلة، هو الخيار الوحيد المطروح أمام الشعب الفلسطيني في المرحلة الراهنة. إنّه الخيار الوحيد الذي يعترف به المجتمع الدولي ويدعمه. هل تقبل «حماس» المشروع الوطني الفلسطيني أم تظل في خندق المتاجرين بالقضية الفلسطينية عن طريق شعارات من نوع «المقاومة» و«الممانعة» وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر إلي البحر...لا فارق.
لا مصالحة ذات مغزى من دون مضمون سياسي لها. لا وجود لمصالحة من أجل المصالحة. إذا لم تقبل «حماس» المشروع الوطني الفلسطيني، سيتبيّن قريبا أن كلّ ما حصل إلى الآن، أكان ذلك من جانب «فتح» أو من جانب «حماس» هو هروب إلى أمام يقوم به طرفان مفلسان. 
في النهاية ما معنى المصالحة إذا لم يرافقها موقف سياسي صريح من المفاوضات وما يفترض أن تؤدي إليه المفاوضات، إضافة إلى وضع حدّ لفوضى السلاح. وهذا يعني أن على «حماس» أن تقرّر هل تريد العودة إلى حضن إيران أم لا؟ كيف ستتعامل مع «الجهاد الإسلامي» الذي ليس سوى تنظيم يتلقّى أوامره من طهران يتحرّك بكلّ حرية في غزّة وإنطلاقا منها؟
تظلّ كلمة المصالحة كلمة جميلة. ولكن بين تحقيق المصالحة وتحقيق تقدّم على طريق قيام الدولة الفلسطينية هناك هوّة واسعة. لا يمكن ملء هذه الهوّة بالشعارات والمزايدات. لا يمكن ملء الهوة إلّا باعادة ترتيب البيت الفلسطيني من داخل على أسس واضحة أوّلا، أكان ذلك في الضفة أو في غزّة. متى حصل ذلك، لن يعود سهلا على واشنطن تبرير موقفها من المصالحة الفلسطينية بما يخدم حكومة نتانياهو التي تقوم كلّ سياستها على إستخدام الوقت لتكريس الإحتلال...لماذا لا يستغلّ الفلسطينيون الوقت لترتيب وضعهم الداخلي ما دامت كل الحلول والتسويات مؤجّلة؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية بين مفلسين حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية بين مفلسين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia