بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي

بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي

بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي

 تونس اليوم -

بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي

خيرالله خيرالله

إيران تتخلى عن إمكان الحصول على السلاح النووي وإن موقتا. تفعل ذلك من أجل تعزيز قدرتها على تخريب المجتمعات العربية، بمباركة أميركية هذه المرة، لا أكثر ولا أقل.

أسئلة كثيرة لا تزال من دون أجوبة بعد توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. من بين هذه الأسئلة تلك المتعلّقة بالدور الإقليمي لإيران وعلاقته بالاتفاق. في بعض الأحيان، يؤكّد الرئيس باراك أوباما أنّ لا علاقة للاتفاق بأي ملفّ آخر غير البرنامج النووي لإيران.

ما يلبث الرئيس الأميركي أن يناقض نفسه. على سبيل المثال، يقول أوباما في مؤتمر صحافي إن إيران “جزء من الحلّ في سوريا”، مضيفا أنّه “لن نحلّ مشكلة سوريا من دون انخراط الروس والإيرانيين والأتراك وشركائنا الخليجيين”. لم يوضح كيف يمكن لإيران أن تكون جزءا من الحل في سوريا، فيما يتبيّن في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة، أنّها تحوّلت إلى لبّ المشكلة؟

يحتار أوباما في شأن كيفية تسويق الاتفاق في الولايات المتحدة نفسها. يتجاهل أنّ في أساس المشكلة السورية، وهي أزمة نظام أوّلا، موقف إيران من ثورة شعبية حقيقية على نظام أقلّوي وضع نفسه في خدمة المشروع الإيراني.

سعى هذا النظام، الذي أسّس له حافظ الأسد منذ ما قبل وصوله إلى إحتكار السلطة في العام 1970، إلى استعباد شعب بكامله بكلّ الطرق الوحشية المتاحة لجعله في خدمة طائفة. في عهد بشّار الأسد صار على هذا الشعب أن يكون في خدمة عائلة معيّنة امتهنت سلب الشعب والبلد خيراتهما عن طريق تحويل سوريا كلّها إلى شركة خاصة ملك للعائلة وللمحيطين بها من كلّ أنواع الانتهازيين.

يختلف المتابعون للمشهد الإيراني بين من يعتقد أن طهران ستغيّر سلوكها بعد الاتفاق الذي توصلت إليه مع مجموعة البلدان الخمسة زائد واحد في شأن ملفّها النووي وبين من يقول العكس. هناك من يعتقد أن إيران ستستخدم الأموال التي ستحصل عليها من أجل الاهتمام بشعبها ورفاهه. وهناك، في المقابل، من يؤكّد، استنادا إلى تجارب الماضي القريب، أنّها ستتابع سياسة دعم الميليشيات المذهبية التابعة لها خدمة لمشروعها القائم على إثارة الغرائز المذهبية.

من الواضح أن الرئيس الأميركي يمتلك مقدارا كبيرا من التفاؤل. قد يكون ذلك عائدا إلى معرفته بإيران وتاريخها وحضارتها ولجهله بطبيعة النظام الذي يحكم البلد منذ العام 1979، تاريخ حصول ثورة آية الله الخميني التي أفضت إلى اعتماد الدستور المعمول به والذي في أساسه “ولاية الفقيه”.

من الواضح أيضا، أن باراك أوباما الذي يرى بعين واحدة، يتجاهل السلوك الذي يعتمده النظام الإيراني. ربّما، يعرف الكثير عنه، لكنّه يفضّل أن لا يعرف. يمكن أن يكون في أساس ذلك خلفية الرئيس الأميركي الذي تربّى على أفكار يسارية، من النوع البدائي، لم يستطع أن يجهر بها إلّا في ولايته الثانية التي بدأت في العام 2012.

هذه الأفكار الأوبامية تقوم على فهم سطحي للشرق الأوسط، وتفرّق بين تنظيم “داعش” السنّي والدواعش الشيعية التي خلقت حاضنة لـ”داعش” وأخوانه وأخواته، خصوصا في سوريا والعراق.

كان ملفتا حديث أوباما في المقابلة التي أجراها مع توماس فريدمان ونشرت في “نيويورك تايمز” عن “الزعماء العرب السنّة” وكأنّ هؤلاء يشكلون مجموعة في حدّ ذاتها، مجموعة معادية لإيران وللاتفاق في شأن ملفّها النووي. وضع أوباما الجميع في سلّة واحدة، وهذا أسوأ ما يمكن أن يقوم به رئيس الدولة العظمى التي تتعاطى، أو هكذا يفترض، مع مشاكل المنطقة وأزماتها.

الخوف، كلّ الخوف، من عجز أوباما عن فهم طبيعة الخطر الذي تمثّله إيران. هذا الخطر ليس في برنامجها النووي. اسرائيل تتاجر بهذا الخطر وتبتزّ به الولايات المتحدة. هذا مفهوم إلى حدّ كبير. ما ليس مفهوما عدم قدرة الإدارة الأميركية على فهم أن دول المنطقة لا تشكو أساسا من البرنامج النووي الإيراني. كلّ ما يمكن أن يؤدي إليه البرنامج النووي الإيراني هو إدخال دول المنطقة، في مقدّمها المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر في سباق تسلّح.

المشكو منه هو الميليشيات المذهبية التي تستخدمها إيران وتمولّها بهدف السيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن وضرب الاستقرار في البحرين والسعي إلى خلق مشاكل للسعودية. الشكوى من كون إيران تستثمر في هذه الميليشيات لتقسيم العراق وتفتيت سوريا ومنع لبنان من التقاط أنفاسه وإدخال اليمن في حروب داخلية لا نهاية لها في المدى المنظور.

ليس كافيا كلام أوباما عن تفادي حرب جديدة في المنطقة وعن تمنينه الأميركيين بأنّه سيترك أهل المنطقة يتقاتلون في ما بينهم، بينما ستتخذ الولايات المتحدة دور المتفرّج هذه المرّة. هل ستظل الإدارة الأميركية تتفرّج على ما يقوم به “حزب الله” الذي يشارك في قتل الشعب السوري ويمنع لبنان من أن يكون لديه رئيس جديد للجمهورية؟ هل يمكن أن تتفرّج إلى ما لا نهاية على عملية تفتيت سوريا بإشراف إيراني وروسي؟ هل يمكن أن تتابع تشجيع “الحشد الشعبي” في العراق، الذي ليس سوى الوجه الشيعي لـ”داعش” السنّية؟ هل يمكن أن تبقى مكتوفة أمام المأساة اليومية في اليمن والتي وراءها رغبة “أنصار الله” إقامة جيب يستخدم كي يكون شوكة في الخاصرة الخليجية عموما والسعودية على وجه التحديد؟

يعطي الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني فكرة عن توجّه أميركي جديد على الصعيد الشرق أوسطي. هناك، بين العرب، من تنبه لذلك باكرا أكان ذلك عبر التصدي للأطماع الإيرانية في البحرين أو عبر منع سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين أو عبر مواجهة المشروع الإيراني في اليمن بشكل مباشر.

لا يمكن فصل الاتفاق عن هذا التوجّه. الثابت أنّ كلّ كلام عن تغيير داخلي في إيران سابق لأوانه. في النهاية، لا يمكن للشعب الإيراني البقاء ساكنا في وجه نظام يفرض عليه، كما يفرض على المنطقة، ثقافة الموت التي يشكّل “الحرس الثوري” خير تعبير عنها. ولكن لا يمكن أيضا تجاهل أن إيران لم تقدّم يوما دليلا على أنّها مستعدة للتخلي عن سلاحها الأهم المتمثل في الاستثمار في الغرائز المذهبية.

تتخلى إيران، عن إمكان الحصول على السلاح النووي وإن موقتا. تفعل ذلك من أجل تعزيز قدرتها على تخريب المجتمعات العربية، بمباركة أميركية هذه المرّة، لا أكثر ولا أقلّ.

قد يكون باراك أوباما ساذجا… ولكن لا يبدو أنّه ساذج إلى هذا الحدّ.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي بين العرب من تنبه باكرا إلى التغيير الأميركي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia