الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب

الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب

الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب

 تونس اليوم -

الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب

خيرالله خيرالله

لن يخلق الباجي قائد السبسي معجزة. لكن وجوده على رأس الدولة في ظل دستور حديث، يعطي أملا بإمكان تحقيق تقدم والمحافظة على الإنجازات التي تحققت في عهدي بورقيبة وبن علي في الوقت ذاته.

كان في استطاعة تونس أن تختار رئيسا آخر بعيدا عن شخصيتين مختلفتين في كلّ شيء، هما الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي. فالباجي قائد السبسي يشكو من تقدّمه في السن، وثورة تونس التي أطاحت زين العابدين بن علي ونظامه هي ثورة شبابية، أوّلا وأخيرا، تعبّر عن رغبة في التغيير.

أمّا المرزوقي، فمصيبته أكبر بكثير وهي تكمن في أنّه رضي أن يكون مجرّد غطاء ليبرالي للإخوان المسلمين، ممثلين في حركة النهضة التي سعت إلى السيطرة على البلد من خلال واجهات لها.

بكلام أوضح، أراد الشباب التونسي الذي قام بـ“ثورة الياسمين” تغييرا في العمق يفتح أمامه أبواب المستقبل من جهة، ويسمح لهذه الفئة بالمشاركة في القرار السياسي في أجواء من الحرية والديموقراطية من جهة أخرى.

لكنّ الواضح أنّ حسابات الشباب الذي فجّر الثورة اختلفت بعدها، خصوصا أن الأولوية صارت للتصدي للإخوان المسلمين ومحاولتهم فرض نظام ديكتاتوري متحجّر ومتخلف في الوقت ذاته، يجعل المواطن العادي يترحم على زين العابدين الذي لم يكن عهده الطويل مليئا بالسيئات فقط.

على العكس من ذلك، كانت هناك نواح إيجابية لا يمكن تجاهلها، بل من المعيب تجاهلها. من بين هذه النواحي السعي إلى توسيع الطبقة المتوسّطة وتطوير الاقتصاد. ولكن ما العمل عندما يكون هناك رئيس يصرّ على البقاء في السلطة مدى الحياة، وتمكين زوجته من أن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في البلد، وأن يترافق ذلك مع فساد في أوساط العائلة غطّى على الإنجازات التي تحقّقت؟

لكنّ الخطأ الأكبر الذي ارتكبه بن علي كان في إلغاء الحياة السياسية في البلد، بدل العمل على تطويرها. تلهّى بأمور صغيرة ذات طابع أمني لا تليق برئيس للجمهورية. صحيح أن الحبيب بورقيبة مؤسس تونس الحديثة كان “المجاهد الأكبر” و“الرئيس لمدى الحياة”، لكن عهده الطويل أيضا كان يعج بالشخصيات السياسية التي تنافست في ما بينها، وكان لها حضورها في البلد على كلّ المستويات.

في عهد بن علي الذي أدار البلد كضابط في الشرطة مسؤول عن مخفر في أحد الأحياء، لم يترك أيّ مجال لبروز شخصية سياسية تمتلك حضورا. كان بن علي يخشى حتّى من خياله.

كان رئيس الوزراء، أو الوزير الأوّل كما يسمّى في تونس، موظّفا برتبة مدير عام في إحدى الدوائر لا أكثر. فضلا عن ذلك، كان أكبر ضابط في الجيش مجرّد عنصر في الأمن مطلوب منه أن يؤدي الولاء للرئيس، وأنّ يتصرف بطريقة تؤكّد أنّه لا يمتلك أية حيثية.

كان خوف التونسيين من تجربة جديدة أسوأ من تجربة عهد بن علي وراء الهزيمة التي ألحقوها بالنهضة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. كان هذا الخوف وراء تقدّم “نداء تونس” في تلك الانتخابات التي ستفضي إلى حكومة من دون النهضة.

الآن، هناك خوف من تسلل النهضة إلى مواقع معيّنة في السلطة عبر المرزوقي. لذلك، نجد هذا الرفض للمرشح الإسلامي، الليبرالي الوجه، الذي يتلطى بشعارات براقة لا علاقة لها، في العمق والواقع، بكلّ ما هو حضاري من قريب أو بعيد.

كلّ ما في الأمر أنّ التونسيين اكتشفوا باكرا من هو المرزوقي. ساعدهم بنفسه في ذلك، خصوصا عندما خرج بما سمّي “الكتاب الأسود” الذي كان الهدف منه الإساءة إلى أشخاص معينين، أو مؤسسات رفضت السير في ركاب النهضة.

من يسيء إلى أشخاص أو مؤسسات وقفت مع تونس في أوقات صعبة ووجدت بعض الإيجابيات في عهد بن علي، إنّما يسيء إلى نفسه أوّلا وأخيرا. لذلك، لم تمض أشهر إلّا وظهر المرزوقي على حقيقته كرئيس موقت من صنع النهضة.

لا يختلف إثنان على أنّ الباجي قائد السبسي ما زال يتمتع بذهن متقد رغم اقترابه من التسعين. لن يخذله التونسيون في الانتخابات الرئاسية بعد أقلّ من أسبوع. إنّهم يدركون حاجة البلد إلى رئيس أكثر شبابا وأكثر قدرة على التحرّك في الداخل والخارج. لكنّ الباجي الذي برز نجمه في عهد بورقيبة بات ضمانة لاستمرار الجمهورية التونسية ومؤسساتها.

كونه ضمانة يفسّر إلى حدّ كبير تعلّق أكثرية التونسيين به. فالمواطن التونسي لا يبحث عن مغامرة جديدة بعدما اختبر النهضة وحكومتيها، وسعيها إلى التسلل إلى مؤسسات الدولة واختراقها، بما في ذلك المؤسسة الأمنية.

ليست صدفة أن البرنامج الذي يخوض الباجي الانتخابات على أساسه يتضمّن نقطة تتعلّق بكشف ملابسات الجريمتين اللتين ذهب ضحيتهما السياسيان شكري بلعيد ومحمّد البراهمي. الجريمتان اللتان وقعتا في وقت كانت حكومة تابعة للنهضة في السلطة تكشفان التهاون في ملاحقة الإرهابيين والمتطرفين الدينيين عندما يكون الإخوان المسلمون في موقع المسؤولية.

تبدو الأولوية في تونس الآن للمحافظة على المؤسسات وحمايتها. لا ضير في استعادة الجوانب الإيجابية في عهد بن علي مع العمل على تفادي السلبيات. التونسيون، يعرفون جيّدا أن بلدهم مهدّد. البلد مهدّد لسببين على الأقل. يتمثّل الأول في الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها تونس حيث كلّ شيء جامد منذ ثلاث سنوات، خصوصا الاستثمارات الخارجية. أمّا السبب الثاني فعائد إلى المخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها البلد بعد تحوّل الجارة ليبيا إلى بؤرة للإرهاب.

سيترتب على تونس في المرحلة المقبلة سدّ النوافذ والأبواب التي يتسلّل منها الإرهاب والتطرّف، وفتح كلّ الأبواب أمام تطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل. الأكيد أن النهضة بكل ما تمثّله، وفي ضوء التجاذب بين قيادييها، لن تكون قادرة على لعب أي دور مفيد في هذا المجال. حتّى حمادي الجبالي، وهو من أبرز الوجوه في الحركة، صار يمتلك تحفظات عن نهجها ولم يجد أمامه سوى الخروج منها.

أيّام قليلة وتجري الانتخابات الرئاسية. لن يخلق الباجي قائد السبسي معجزة. لكنّ وجوده على رأس الدولة في ظلّ دستور حديث، يعطي أملا بإمكان تحقيق تقدّم والمحافظة على الإنجازات التي تحقّقت في عهدي بورقيبة وبن علي في الوقت ذاته.

ليس أمام التونسيين سوى التمسّك بهذه الإنجازات في حال كانوا يريدون المحافظة على ما يمكن تسميته بمستقبل أفضل يؤمنه للشباب رجل اقترب من التسعين.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب الشباب التونسي يساند رجلا عركته التجارب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia