هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين

هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين؟

هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين؟

 تونس اليوم -

هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين

بقلم :خير الله خير الله

ليس التطبيع التركي – الإسرائيلي سوى عودة إلى المنطق. يقول المنطق، في منطقة لا منطق فيها، أن لا فائدة من المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم بمقدار ما أن المطلوب مساعدتهم في استعادة حقوقهم من دولة تمارس الإرهاب بأسوأ أشكاله. هذه الدولة هي إسرائيل. ما يمكن وصفه بذروة الإرهاب هو إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل المصرّة على تكريس احتلالها للضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وحرمان شعب موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط من أبسط حقوقه.

ليس كافيا أن تعيد تركيا العلاقات مع إسرائيل بعد قطيعة استمرّت ست سنوات. المهمّ أن تلي هذه الخطوة سياسة تتسم بالواقعية تقوم، أوّل ما تقوم، على التوقف عن بيع الفلسطينيين الأوهام. إلى الآن، لم تبع تركيا في عهد رجب طيّب أردوغان الفلسطينيين سوى الأوهام والوعود الكفيلة بنقلهم من كارثة إلى كارثة أخرى أسوأ منها. تلك كانت نتيجة إرسال تركيا لسفينة تحمل مساعدات لفكّ الحصار عن قطاع غزة، وهو حصار تستفيد منه “حماس” منذ الانقلاب الذي قامت به على الشرعية الفلسطينية في مثل هذه الأيّام من العام 2007. منع الإسرائيليون، الذين يحاصرون غزّة، السفينة التركية من الوصول إلى القطاع وقتلوا تسعة أشخاص كانوا على متنها.

بعد ست سنوات وشهر على حادث السفينة التركية “آفي مرمرة”، لا تزال غزة تحت الحصار، ولا تزال “حماس” تتحكم بمواطنيها بعدما حوّلت القطاع إلى “إمارة إسلامية” يسودها الجهل والتخلّف والفقر والبؤس على الطريقة الطالبانية، نسبة إلى حركة “طالبان” في أفغانستان وباكستان. أكثر من ذلك، لا يزال قطاع غزّة منفصلا كلّيا عن الضفّة الغربية في ظل دور مرسوم لـ“حماس” يقوم على خدمة المشروع الإسرائيلي ولا شيء غير ذلك.

هل أدرك رجب طيب أردوغان أن كلّ ما فعله كان مصيبة أخرى للفلسطينيين، الذين لا تنقصهم مصائب، وأنّه ساعد “حماس” من حيث يدري أو لا يدري في لعب الدور المطلوب منها إسرائيليا. يتمثّل دور “حماس” في إظهار الشعب الفلسطيني منقسما على نفسه ورافضا لأي سلام من أي نوع كان عن طريق خطاب سياسي يدعو إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، أو من البحر إلى النهر لا فارق.

أن يستفيق أردوغان على الخطأ الذي ارتكبه متأخّرا أفضل من أن لا يستفيق أبدا. في أساس هذا الخطأ اتباع سياسة لا علاقة لها بالتوازنات الإقليمية من جهة، وإطلاق وعود غير قابلة للتحقيق من جهة أخرى.

بعد فلسطين، كانت هناك آمال كبيرة بُنيت على الموقف التركي الحازم من النظام السوري الذي يذبح شعبه مستفيدا من غطاء إيراني – روسي وتواطؤ أميركي لإدارة باراك أوباما. برز هذا الدور منذ اليوم الأوّل لاندلاع الثورة الشعبية في سوريا في آذار ـ مارس من العام 2011.


لم يدرك الرئيس التركي منذ البداية أنّه كانت هناك حاجة إلى رد فعل سريع على الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، على رأسه بشار الأسد، الذي يمارس أبشع أنواع الإرهاب في حقّ السوريين. لكن المؤسف أن أردوغان فضل الانتظار وصولا إلى مرحلة استطاعت فيها روسيا وإيران منع تركيا من تزويد الشعب السوري بالأسلحة النوعية المطلوبة، أو إقامة منطقة عازلة أو آمنة توفّر حماية للسوريين الهاربين من الحرب التي يتعرض لها هذا الشعب.

أين مشكلة أردوغان؟ هل في انتمائه إلى حركة الإخوان المسلمين التي أرادت الاستثمار في نشر البؤس في غزة، واستخدام القطاع في خدمة مشروع يستهدف مصر؟ هل انتهى هذا الرهان إلى غير رجعة كي يتحرر الرئيس التركي من عقدة فلسطين والفلسطينيين والمتاجرة بهم؟

في كلّ الأحوال، تعيد تركيا العلاقات مع إسرائيل، فيما الحصار على غزّة مستمر. سيسمح الإسرائيليون لتركيا بإقامة محطة لتوليد الكهرباء في القطاع، كما يمكن أن يرسلوا إلى الغزاويين مساعدات، على أن تخضع مسبقا للتفتيش الإسرائيلي.

كان قطاع غزّة في غنى عن الحصار منذ الانسحاب الإسرائيلي منه صيف العام 2005، عندما كان آرييل شارون لا يزال رئيسا للوزراء. كل ما كان على “حماس” عمله هو الاستفادة من زوال الاحتلال والمساهمة، في ظل السلطة الوطنية، في القضاء على فوضى السلاح، وبنـاء نواة لدولة فلسطينية يسودها القانون تؤكد أن الفلسطينيين ضحية الاحتلال الإسرائيلي في الضفّة الغربية والقدس الشرقية. بدل أن تفعل ذلك، عمدت “حماس” بدعم إيراني، وهو أمر يبدو أنّه لم يدر في بال أردوغان، إلى إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل كي تقول للعالم إن شارون كان على حقّ عندما أطلق شعار “لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه”.

في نهاية المطاف، انضمّت تركيا إلى إيران في عملية المتاجرة بالقضية الفلسطينية، بل دخلت في منافسة معها دفع ثمنها الفلسطينيون. إيران تحيي “يوم القدس” كلّ سنة في آخر جمعة من شهر رمضان للمزايدة على العرب ليس إلا. في حين تنادي تركيا بفكّ الحصار عن غزة، وذلك كي يتأكّد أن هذا الحصار باق إلى أبد الآبدين.

الأمل كبير في أن يكون الوحي هبط على الرئيس التركي واقتنع أخيرا أنّ لا شيء يساعد الفلسطينيين، الذين يمرون بظروف في غاية الصعوبة في ظل إفلاس السلطة الوطنية على كل الصعد وفي كلّ المجالات، أكثر من اعتماد الواقعية. تقول الواقعية إن إسرائيل تتمنى في كل وقت أن تبقى “حماس” واجهة للشعب الفلسطيني. فأيّ زعيم في الحركة، أكان محمود الزهار المحسوب هذه الأيّام على إيران أو خالد مشعل الذي يحاول التظاهر بأنه خرج من دائرة النفوذ الإيراني، يقول كلاما يخدم الاحتلال، لا لشيء سوى لأن الخطاب السياسي لـ“حماس” خطاب جامد تجاوزه الزمن ولا علاقة له من قريب أو بعيد بما يدور على أرض الواقع. أكثر من ذلك، إن هذا الخطاب الحمساوي يصب في تكريس الشرخ القائم بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة إلى ما لا نهاية.

هل من دور لرجب طيّب أردوغان يخدم الفلسطينيين ويساعدهم في الخروج من المأزق الذي هم فيه، أم أن همّه محصور بالتعاون الأمني مع إسرائيل وإعادة العلاقات معها من أجل مدّ خط أنابيب الغاز الذي يربطها بتركيا؟

هل يمكن الرهان على شخص ينتمي أصلا إلى مدرسة الإخوان المسلمين الذين يستطيعون قول الشيء وعكسه في اليوم ذاته، وأن يعتبروا كل شيء محلّلا لهم باسم الدين… من أجل الوصول إلى السلطة.

تظل العلة الكبرى للرئيس التركي، في نهاية الأمر، في ذلك الشبق الذي لا حدود له إلى السلطة، وهو شبق جعل الفلسطينيين يقعون في فخّ الرهان على الأوهام رافضين أن يتعلّموا شيئا من كل التجارب التي مروا فيها منذ نكبة 1948، وصولا إلى نكبة تحويل غزة إلى سجن كبير يقبع فيه مليونا شخص، لا يفرّقه عن السجن الحقيقي سوى أن لا سقف له.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين هل انتهت متاجرة أردوغان بالفلسطينيين



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia