هزلت

هزلت!

هزلت!

 تونس اليوم -

هزلت

بقلم : خير الله خير الله

لم يترك دونالد ترامب مجالا سوى لعبارة واحدة هي أن السياسة الأميركية هزلت فعلا. من يرى كيف تعاطى باراك أوباما مع مأساة الشعب السوري، لا يستغرب شيئا.

إذا كان من حسنة لاعتماد الحزب الجمهوري، على الرغم من الانقسامات والتجاذبات التي يعاني منها، دونالد ترامب مرشّحا له للرئاسة الأميركية، فإن هذه الحسنة تتمثل في انكشاف الولايات المتحدة. هناك هزالة أميركية ليس بعدها هزالة، على الصعيد السياسي طبعا. يقول ترامب كلّ شيء عن الحاجة إلى الأمن وإلى ضرورة أن تكون أميركا “قوية”، لكنه ينسى أن هناك مأساة لا شبيه لها في القرن الحادي والعشرين تتحمّل بلاده مسؤوليتها. هذه المأساة هي مأساة الشعب السوري الذي قبلت إدارة باراك أوباما بتشريده داخل سوريا وخارجها وأن يحلّ به ظلم ليس بعده ظلم.

تحدث ترامب في خطابه الطويل الذي ألقاه في كليفلاند (ولاية أوهايو) عن كلّ شيء. حاول تدوير الزوايا من أجل إقناع النساء والسود وأولئك الذين يتحدثون الأسبانية (المهاجرون الآتون من دول أميركا اللاتينية) بالتصويت له. هؤلاء باتوا يشكلون ثقلا كبيرا على الخارطة الانتخابية للولايات المتحدة. خفّف من حدة لهجته تجاه المسلمين، بعدما كان يعتقد أن الحل بمنعهم من دخول الأراضي الأميركية، وحتّى تجاه المثليين. لكنّ كلّ كلامه يعكس نوعا من الفراغ السياسي الذي تعاني منه الولايات المتحدة.

وفي سياق هجومه على هيلاري كلينتون، بدا كأنّه نادم على صدّام حسين ومعمّر القذافي ورافض للاعتراف بواقع أن بشّار الأسد ونظامه صارا في مزبلة التاريخ، وأن السكوت عن هذه النظام أكبر خدمة تقدّم لـ“داعش” وكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بهذا النوع من التنظيمات الإرهابية. حمّل كلينتون، بصفة كونها وزيرا للخارجية في الولاية الأولى لباراك أوباما، مسؤولية كلّ المشاكل التي يعاني منها العالم حاليا، بما في ذلك مسؤولية توقيع الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني الذي عكس سذاجة، ليس بعدها سذاجة، لباراك أوباما والمحيطين به… أو عداء ليس بعده عداء، أو حقدا ليس بعده حقد، لكلّ ما هو سنّي في المنطقة العربية. لم يلاحظ أن الاتفاق مع إيران لم يوقع عندما كانت كلينتون في الخارجية!

هل يصلح رجل لا يعرف شيئا في السياسة يستطيع الانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، رجل “متعجرف” و”لا يقرأ كتابا” و“لا يستمع لأحد” على حد تعبير صحيفة “واشنطن بوست”، أن يكون رئيسا للقوّة العظمى الوحيدة في العالم؟
    
    

عفوا، يعرف ترامب كيفية إتمام الصفقات. هل يمكن للصفقات الناجحة، أو الفاشلة في أحيان أخيرة، أن تجعل من رجل أعمال رئيسا للولايات المتّحدة؟

لا يخجل ترامب من تبديل مواقفه بين ليلة وضحاها. وعندما يُواجه بالحقيقة وبأن الكلام الذي قاله أمس، وهو كلام موثّق، مغاير كلّيا للكلام الذي يقوله اليوم، لا يأبه بذلك. يتصرّف وكأن من قال كلام الأمس شخص آخر غير دونالد ترامب. فالرجل يعيش ليومه. إنّه يستغلّ الجمهور الأميركي الجاهل بما يدور في العالم للوصول إلى البيت الأبيض.

لا يخجل ترامب من أي أمر، بما في ذلك استخدام زوجته عبارات مأخوذة من خطاب ألقته ميشيل أوباما في العام 2008 في أثناء الحملة الانتخابية لزوجها. استعادت ميلينيا ترامب العبارات كما هي، ثمّ ألقت اللوم في ذلك على من أعدّ لها الخطاب. هذا يدل، بكل بساطة، على عدم معرفة فريق ترامب بالناس من جهة، وعدم امتلاك الرجل للحد الأدنى من السلوك الأخلاقي من جهة أخرى.

ما هي الحظوظ الرئاسية لدونالد ترامب؟

لا يمكن تجاهل هذه الظاهرة، التي اسمها دونالد ترامب، على الرغم من أنّ هيلاري كلينتون مازالت متقدمة عليه في كلّ الاستطلاعات، خصوصا في ضوء عجز المرشح الجمهوري عن تحقيق وحدة حول شخصه داخل حزبه من جهة، وعدم قدرته على تحقيق أي اختراق في صفوف الناخبين المتكلمين بالأسبانية أو السود أو لدى النساء عموما والمثليين من جهة أخرى.

حرص الجمهوري تد كروز، الذي نافس ترامب على ترشيح الحزب، على رفض اتخاذ موقف من التصويت لترامب. خطب كروز في مؤتمر كليفلاند وأعلن أنه يترك للناخبين التصويت “كلّ حسب ما يمليه عليه ضميره”. من الواضح، كما تقول “واشنطن بوست”، أنّ هناك انقساما داخل الحزب الجمهوري، تحوّل إلى انقسام على الصعيد الأميركي. هناك في الواقع هوة عميقة باتت تفصل بين الأميركيين بعدما استطاع دونالد ترامب تسخيف السياسة والانتصار على كل خصومه معتمدا على الغوغائية ولا شيء غير ذلك.

هزلت السياسة في الولايات المتحدة إلى درجة أنّه باتت هناك فرص أمام ترامب لدخول البيت الأبيض مستفيدا من أن هيلاري كلينتون لا توحي بالثقة لدى أميركيين كثيرين، وذلك بعد التحقيق في قضية رسائلها الإلكترونية. تبادلت كلينتون عندما كانت وزيرا للخارجية رسائل ينطبق عليها طابع السرّية عبر البريد الإلكتروني الخاص بها، وهو بريد غير مؤمّن، كما حال العناوين البريدية الإلكترونية المعتمدة في الوزارة. صحيح أن لا ملاحقة قضائية تبعت ذلك، لكنّ الصحيح أيضا أنّ أميركيين كثيرين باتوا متحفّظين تجاه السيدة الأولى سابقا.

في عالم يعيش في ظلّ الإرهاب الذي ضرب في الولايات المتحدة نفسها (جريمة أورلاندو) وفي أنحاء مختلفة من أوروبا، خصوصا في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، يسعى دونالد ترامب إلى تحقيق معجزة وصول شخص جاهل تماما في السياسة إلى سدّة الرئاسة الأميركية. ثمّة من سيقول إن رونالد ريغان سبقه في ذلك. هذا صحيح إلى حدّ ما فقط نظرا إلى أن ريغان استطاع قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة أن يكون حاكما لكاليفورنيا طوال ثماني سنوات. وهذا ما أكسبه خبرة في الشؤون العامة، فضلا عن أنّه كان يعتمد على مساعدين يمتلكون حدّا أدنى من الخبرة السياسية والتجربة. الأهمّ من ذلك كلّه، كانت لدى رونالد ريغان فكرة واضحة عن كيفية الانتصار في الحرب الباردة، وكيفية الذهاب بعيدا في المواجهة مع الاتحاد السوفياتي الذي سمّاه “إمبراطورية الشر”.

ما أوصل أميركا إلى ما وصلت إليه هو ذلك الفراغ الذي خلقه باراك أوباما الذي أراد الانتقام من جورج بوش الابن ومن سياساته. ارتكب بوش الابن كلّ الأخطاء الممكنة، خصوصا في العراق. لكنّ معالجة هذه الأخطاء لا تكون باعتماد سياسة تقوم على السير في اتجاه معاكس تماما لكلّ ما قامت به إدارة بوش الابن. شمل ذلك التفرّج على المأساة السورية والاستسلام أمام إيران وروسيا بواسطة شخص اسمه جون كيري يصلح لكلّ شيء باستثناء أن يكون وزيرا للخارجية.

هذه ليست سياسة. هذه نكايات أدت إلى مهزلة. من بين ما أدت إليه كارثة اسمها صعود دونالد ترمب الأقرب إلى مهرّج من أيّ شيء آخر.

لعل الأخطر من ذلك كلّه أن لدى ترامب فرصا، ولو ضعيفة، في أن يصل إلى الرئاسة. من كان يصدّق أنّه دمرّ كل منافسيه داخل الحزب الجمهوري وكاد أن يدمّر الحزب نفسه؟

لم يترك دونالد ترامب مجالا سوى لعبارة واحدة هي أن السياسة الأميركية هزلت فعلا. من يرى كيف تعاطى باراك أوباما مع مأساة الشعب السوري، لا يعود يستغرب شيئا…!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هزلت هزلت



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia