أوباما والخليج والرهان على سراب

أوباما والخليج... والرهان على سراب

أوباما والخليج... والرهان على سراب

 تونس اليوم -

أوباما والخليج والرهان على سراب

بقلم :خير الله خير الله

هناك قمم لا تقدّم ولا تؤخّر، كما حال القمة التي عقدها قادة “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” مع الرئيس باراك أوباما في الرياض. لم يكن مطلوبا من الرئيس الأميركي الانحياز، كلّيا، إلى مواقف دول الخليج العربي، بمقدار ما كان مطلوبا ترجمة كلامه إلى أفعال. هل في وارد أوباما، الذي سيغادر البيت الأبيض في غضون ثمانية أشهر، الانتقال من الكـلام إلى الأفعـال؟

يبقى الكلام الجميل، في نهاية المطاف، كلاما جميلا في غياب الترجمة على الأرض. ولهذا السبب، وليس لغيره، اتخذّت دول مجلس التعاون، في معظمها، إجراءات تعكس استيعابها الباكر لخطورة الاعتماد على إدارة أميـركية يهمها تقـديم النصائح من بعيد وقول كلام كبير من دون ما يشير إلى رغبة في أن يكون لهذا الكلام معنى حقيقي.

بكلام أوضح، لم تقدم إدارة أوباما على أيّ خطوة يمكن أن يُفهم منها أنّها تسعى إلى فهم ما يدور في الشرق الأوسط.

أين نجح أوباما، ولو نسبيا، حتّى يمكن القول أن في الإمكان الاعتماد عليه؟ هل نجاحه في التوصّل إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني نجاح؟

ما هي الدلائل التي تشير إلى أن إيران تغيّرت بعد هذا الاتفاق، في وقت تؤكّد كل الدلائل أن إيران زادت عدوانية، على كلّ صعيد وفي كلّ مجال، متسلّحة بالاتفاق في شأن ملفّها النووي.

قال أوباما في الرياض كلاما كبيرا ومهمّا في آن. من بين هـذا الكلام، ذلـك الذي توجّه به إلى إيران شاكيا من دورها في مجال تشجيع الإرهاب وزعزعة الاستقرار، خصوصا عبر أدواتها الإقليمية، من نوع “حزب الله”.

لا تكمن مشكلة أوباما في أنّه لا يعرف الكثير عن الشرق الأوسط فحسب، بل في أنّه يقول أيضا الشيء وعكسه في الوقت ذاته، وذلك من منطلق أنّ الشخص الذي أمامه ساذج!

من بين ما قاله الرئيس الأميركي في الرياض تنديده بـ”النشاطات الإيرانية التي تستهدف ضرب الاستقرار”. دعا في الخطاب ذاته إلى التعاطي مع القوى التي تتمتع بنوع مـن “العقلانية” في إيران. فاته أن يحدّد من هي هذه القوى، ومدى نفوذها وتأثيرها.

ليس في الإمكان تجاهل أن هنـاك قـوى في “الجمهـوريـة الإسلامية” تتمتّـع بحدّ أدنى مـن العقـلانية. حقّـقت هذه القـوى تقدّما في الانتخابات الأخيرة. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به.

لكنّ الواقع الآخر الذي لا يمكن تجاوزه هو ذلك الـذي يختزله سؤال في غايـة البسـاطة: أيـن استطاعت هذه القوى التي تتمتع بالعقلانية إحـداث أيّ تغيير على صعيد السيـاسة الخارجية لإيران، وهي سيـاسـة قائمة على مشـروع توسّعي من جهة، واستخـدام ميليشيـات لبنـانية وعـراقية وأفغانية تابعة لـ“الحرس الثوري”، لتعميق الشرخ المذهبي بين المسلمين من جهة أخرى.

لا تنقص الأمكنة التي تستطيع فيها إيران إظهار حسن نيتها وبعض التوجه العقلاني. ولكن، أين وجدنا تأثيرا يذكر للقوى الإيرانية التي يدعو أوباما إلى التعاطي معها؟

المؤسف أن ليس ما يثبت، أقلّه إلى الآن، أن لهذه القوى أي تأثير من أيّ نوع. لا يشبه تأثير هذه القوى سوى تأثير أوباما في سوريا. هناك شعب يذبح يوميا، فيما الرئيس الأميركي يتفرّج. هذا الشعب الذي اسمه الشعب السوري يتعرّض لهجمة وحشية لا مثيل لها في التاريخ الحديث. هناك مشاركة روسية في المجزرة السورية. هناك مشاركة إيرانية مباشرة وغير مباشرة في حرب الإبادة التي تستهدف السوريين. أين استطاعت القوى المعتدلة التي يتحدث عنها أوباما ممارسة دور ما من أجل وضع حدّ للمأساة السورية؟

لم يحدث شيء من هذا القبيل. هناك، بكل بساطة، حرب يتعرّض لها الشعب السوري على يد نظام أخذ على عاتقه الانتهاء من سوريا التي عرفناها بمشاركة إيرانية مباشرة.

إذا وضعنا سوريا جانبا، ما الدور الذي تمارسه إيران في العراق؟ ما الذي فعلته قوى الاعتدال الإيرانية من أجل وضع حدّ لحرب داخلية استفاد منها “داعش” الذي تدّعي الإدارة الأميركية محاربته؟

تكمن مشكلة أوباما في أنّه وضع نفسه في خدمة المشروع الإيراني في العراق. هذا المشروع لا يخدم بدوره سوى “داعش” ومن على شاكلة “داعش”. هذا المشروع مصيبة كبرى كونه يوفّر حاضنة لكلّ قوى التطرّف أكانت سنّية أم شيعية.

ما الذي يمكن أن يدفع دول الخليج العربي إلى التعاطي بطريقة مختلفة مع الإدارة الأميركية، ما دامت هذه الإدارة ارتضت، مجددا، أن تكون مطيّة لإيران في العراق؟

تهبّ الولايات المتحدة هذه الأيّام إلى نجدة حكومة حيدر العبادي، أي إلى نجدة إيران في العراق. يأتي ذلك في وقت لم تظهر حكومة العبادي في أيّ لحظة أن في استطاعتها أن تكون حكومة غير مذهبية، أي أن تكون حكومة لكل العراق والعراقيين، بغض النظر عن المذهب والدين والقوميّة والمنطقة التي ينتمون إليها.

عندما تسود العقلانية في إيران، لا تعود من حاجة إلى قمة خليجية – أميركية. ما هو أكثر من طبيعي أن تسود علاقات تعاون وتنسيق بين إيران وجيرانها العرب من أجل زيادة خيرات المنطقة، وليس من أجل تقاسم النفوذ فيها كما طالب أوباما في حديثه الأخير مع مجلة “آتلانتيك”.

آخر ما تحتاج إليه المنطقة هو نصائح الرئيس الأميـركي الذي يبدو أنه يمتلك أجندة خاصة به تقوم على فكرة واحدة هي أنه يحقّ لإيران ما لا يحقّ لغيرها في المنطقة، وأن لا وجود سوى لـ“داعش” السنّي، فيما الدواعش الشيعية التي تقاتل في سوريا والعراق من النوع الحلال الذي لا علاقة له بالإرهاب والتطرّف من قريب أو بعيد. هل من إرهاب حلال، وآخر غير حلال؟

لا حاجة إلى الذهاب بعيدا في تقويم ما إذا كانت القمّة الخليجية – الأميركية أدّت إلى نتائج ملموسة.

لا حاجة إلى الذهاب إلى اليمن ومشاكله المعقّدة، وإلى المحاولة التي بذلتها إيران لوضع يدها على البلد عن طريق الحوثيين. لا حاجة إلى التساؤل لماذا هذا الإصرار الإيراني على بقاء بشّار الأسد في دمشق لمجرّد أنّه يرمز إلى النظام الأقلّوي في سوريا، وهو نظام مرفوض من الأكثرية الساحقة في البلد.

هناك سؤال أخير يمكن طرحه على باراك أوباما الذي سارع إلى الطلب من حسني مبارك الرحيل، معتقدا بسذاجة ليس بعدها سذاجة، أن الإخوان المسلمين يمكن أن يكـونوا الحكام الجدد للمنطقة، بل مستقبلها.

هذا السؤال الأخير هو الآتي: لماذا تمنع إيران لبنان من أن يكون لديه رئيس للجمهورية؟ متى يجيب الرئيس الأميركي عن هذا السؤال، يصبح في الإمكان الرهان على قوى معتدلة تمتلك بعض العقلانية في إيران.

ما عدا ذلـك، تبدو دعـوة العـرب، خصوصا أهل الخليج، إلى التعاطي مع هذه القوى أقرب إلى رهان على سراب من أيّ شيء آخر.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما والخليج والرهان على سراب أوباما والخليج والرهان على سراب



GMT 12:22 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

عسكر السودان باتوا يعرفون حدودهم

GMT 18:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر المعادلة اليمنية القائمة

GMT 12:47 2021 الثلاثاء ,31 آب / أغسطس

النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

GMT 20:03 2021 السبت ,28 آب / أغسطس

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

GMT 18:14 2021 الإثنين ,23 آب / أغسطس

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:44 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:53 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

اقتراح غلق 31 محلاّ مخلّا بشروط حفظ الصحة

GMT 10:52 2021 الخميس ,06 أيار / مايو

تراجع احتياطي تونس من العملة الأجنبية

GMT 16:38 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب "Annabelle Creation" يتخطى الـ298 مليون دولار إيرادات

GMT 18:44 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يقدم 550 ألف يورو لتنمية نواكشوط

GMT 11:11 2021 الأربعاء ,21 إبريل / نيسان

سيارة تونسية للطرق الوعرة من قطع "الخردة

GMT 18:50 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

إذاعة "الشباب والرياضة" تبحث عن مذيعيين ومراسلين

GMT 11:09 2015 الأحد ,29 آذار/ مارس

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرق ايران
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia