مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت

مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت

مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت

 تونس اليوم -

مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت

بقلم : خير الله خير الله

مات أحمد سعيد ولم تمت الهزيمة. ما يدل على ذلك سؤال في غاية البساطة: ماذا بقي من دمشق وحلب وحمص وحماة؟ ماذا بقي من بغداد والبصرة والموصل؟ بقي أن الهزيمة صارت هزائم وأن فلسطين لم تعد قضية العرب.

"صوت العرب"

غاب أحمد سعيد عن ثلاثة وتسعين عاما، لكن الهزيمة التي كان رمزا من رموزها، بقيت. بل توسّعت. زادت الهزيمة مساحة وزادت عمقا في ظلّ هبوط مستوى الوعي على الصعيد العربي. صمت أحمد سعيد بعد الهزيمة، لكنّ المدرسة التي أسسّها بقيت حيّة ترزق.

إلى من لا يمتلك ذاكرة أو وُلد بعد الهزيمة، كان أحمد سعيد المذيع الأكثر شهرة في العالم في مرحلة ما قبل العام 1967. سكت مع سكوت المدافع واكتشاف أن سيناء صارت محتلة بعد فضيحة تدمير طائرات سلاح الجوّ المصري في قواعدها، وأنّ الجولان صار تحت السيطرة الإسرائيلية وأن القدس والضفّة الغربية صارا أرضا متنازعا عليها وليسا أرضا محتلّة.

كان صمت أحمد سعيد بعد هزيمة 1967 صمتا بليغا. أعطى فكرة عن الأخطاء الجسيمة القاتلة التي ارتكبها جمال عبدالناصر عبر إذاعة اسمها “صوت العرب” من القاهرة. كانت “صوت العرب” الإذاعة التي يعشقها معظم العرب من المحيط إلى الخليج. كانت سلاح جمال عبدالناصر في حربه على الأنظمة العربية التي ترفض أن تدين له بالولاء والاعتراف بأنه “بطل العروبة الخالد” الذي يؤمن بأنّ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وأن “ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة”.

كان أحمد سعيد يبيع الأوهام عبر “صوت العرب”. شاءت الصدف أن يموت الرجل قبل يوم واحد من الذكرى الـ51 لهزيمة ترفض أن تموت وما زالت مستمرّة. صمت أحمد سعيد بعد الهزيمة، لكن صمته لم يكن كافيا كي تتوقف مفاعيل ما أسفرت عنه حرب الأيام الستة. لا يقتصر الأمر على احتلال إسرائيل للأرض، بمقدار ما يتعلّق الأمر بهزيمة للعقل العربي، هذا إذا كان هناك في الأصل عقل عربي يخطط للمستقبل ويتعاطى مع الواقع وموازين القوى القائمة، بدل اعتبار الأحلام حقيقة مجرّدة.

صمت أحمد سعيد بعد الهزيمة، لكن صمته لم يكن كافيا كي تتوقف مفاعيل ما أسفرت عنه حرب الأيام الستة. لا يقتصر الأمر على احتلال إسرائيل للأرض، بمقدار ما يتعلّق الأمر بهزيمة للعقل العربي

كلّ ما يمكن قوله بعد نصف قرن وسنة واحدة على الهزيمة أنّ المنطقة كلّها تغيّرت نحو الأسوأ. لم يوجد من يريد أن يتعلّم شيئا من دروس حرب 1967. كان الاستثناء الوحيد أنـور السادات وفي مرحلة لاحقة الملك حسين، رحمهما الله. عمل العاهل الأردني الراحل الذي حاربه عبدالناصر من دون كلل ووصفه بأسوأ النعوت، كل ما يستطيع من أجل استعادة القدس والضفّة الغربية. اكتشف لاحقا أنّ معظم العرب لا يريدون ذلك وأن الفلسطينيين أنفسهم يفضلون بقاء الاحتلال على أن يستعيد الأردن الأرض ويسعى إلى صيغـة الفيـديرالية أو الكونفيديرالية التي تلائم الطرفين.

أسوأ ما في الأمر أنّ هناك من أراد أن يدفع لبنان ثمن القرار الحكيم الذي اتخذه رئيس الجمهورية وقتذاك (شارل حلو) والقاضي بعدم المشاركة في حرب الأيام الستة. حافظ لبنان على أرضه، لكن جهات عربية أصرّت على حمل شارل حلو على ارتكاب جريمة توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969. عاد ذلك بالويلات على لبنان. لا يزال البلد يدفع إلى اليوم ثمن اتفاق القاهرة، بعدما أصبح السلاح غير الشرعي فيه إيرانيا بدل أن يكون فلسطينيا.

كيف يمكن لمجموعة من الزعماء العرب ألا تتعلّم شيئا من هزيمة 1967. كيف يمكن لأحمد سعيد، الذي امتلك فضيلة اسمها الصمت، أن يصبح مدرسة بحدّ ذاتها على صعيد المنطقة كلّها.

تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال، لكنّ الهزيمة، التي أسّس لها العقل الذي كان يتحكّم بأحمد سعيد، فرّخت هزائم. هناك هزيمة لحقت بلبنان. هناك هزيمة لحقت بسوريا وأخرى بالعراق. كلّ ما نشاهده الآن هو من ذيول هزيمة العام 1967، وما مهّد لتلك الهزيمة حين كان أحمد سعيد يستشهد بمقالات محمد حسنين هيكل الذي لعب الدور الأكبر في التنظير للهزيمة.

في واحد وخمسين عاما توالت الهزائم. الهزيمة العربية الكبرى كانت في الاعتقاد بأنّ عزل مصر بعد توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل سيقود إلى شيء ما غير المزيد من الشرذمة وخدمة لإسرائيل وصعود لإيران.

من ورث أحمد سعيد كان العقل البعثي الذي تحكّم بسوريا والعراق. لم يجد هذا العقل ما يفعله بعد ذهاب أنور السادات إلى القدس في تشرين الثاني – نوفمبر 1977 سوى عقد قمم لـ”جبهة الصمود والتصدي”، كانت أولاها في ليبيا – معمّر القذافي، وصولا إلى قمّة بغداد في 1978 في ظلّ مصالحة بين حافظ الأسد من جهة وأحمد حسن البكر وصدّام حسين من جهة أخرى. كانت مصالحة لم تعمّر طويلا. كانت تنطلق من عقلين غير مكتملين لدى صدّام حسين وحافظ الأسد. الفارق أن الأسد الأب عرف كيف يجرّ العراق إلى حيث لا يجب، أي إلى جانبه بعدما كان راهن طويلا على السادات وخاض معه حرب 1973.

حالت المصالحة بين البعثين العراقي والسوري، والتي كانت مبنية على ضلال دون موقف عربي واضح وموحد من الذي يجري في إيران، حيث كان آية الله الخميني يستعد لإزاحة شاه إيران ومباشرة لعبة جديدة تقوم على الاستثمار في الغرائز المذهبية. في أساس هذه اللعبة ما يخدم ما بشّر به في العمق أحمد سعيد، الذي كان في الواقع صوت جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل.

كان الهدف دائما تدمير كلّ ما هو حضاري في المنطقة العربية. هذا ما فعله جمال عبدالناصر عندما طرد الجاليات الأجنبية من مصر معتقدا أنّه انتصر على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في 1956، في حين أن الولايات المتحدة كانت وراء وقف العدوان الثلاثي على مصر. كذلك، هذا ما فعله عبدالناصر الذي قبل بالوحدة مع سوريا. قضى، بكل بساطة، على القوى الحيّة في المجتمع السوري مثلما قضى قبل ذلك على القوى الحيّة في مصر.

هذا العقل البعثي كان امتدادا مباشرا لعقل أحمد سعيد. إنّه العقل الذي استغلّه الخميني إلى أبعد الحدود عندما دمّر الذي خلفه العراق شرّ تدمير. لعب النظام الذي أسسه لاحقا دورا كبيرا في إيصال سوريا إلى ما وصلت إليه سوريا. فوق ذلك كلّه، لم يوجد في أي يوم إدراك حقيقي على صعيد المنطقة لما فعلته إيران في لبنان منذ العام 1982.

توفّي أحمد سعيد قبل أيّام في الذكرى الـ51 للهزيمة. لا يزال الرجل الذي كان صوت جمال عبدالناصر والذي كان يستطيع إنزال الإنسان العربي إلى الشارع حاضرا أكثر من أيّ وقت.

مات أحمد سعيد ولم تمت الهزيمة. ما يدل على ذلك سؤال في غاية البساطة: ماذا بقي من دمشق وحلب وحمص وحماة؟ ماذا بقي من بغداد والبصرة والموصل؟ بقي أن الهزيمة صارت هزائم وأن فلسطين لم تعد قضيّة العرب، لا القضيّة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدل محنة الاحتلال الإسرائيلي، صار الكلام عن محن. في كلّ مدينة عربية كبيرة تعمل إيران من أجل تدميرها، مباشرة أو عبر أدواتها، توجد محنة…

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت مات أحمد سعيد لكن الهزيمة لم تمت



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia