"حزب الله" يأمل في استكمال حرب 2006 في السنة 2018. ليس طرح برنامج انتخابي سوى فصل آخر من الانقلاب الكبير الذي بدأ تنفيذه في المرحلة التي سبقت اغتيال رفيق الحريري.
الشعارات ضد إسرائيل والقصف على لبنان وسوريا
عرض “حزب الله” عبر أمينه العام السيّد حسن نصرالله برنامجه الانتخابي. تصرّف كأنّه حزب عادي وطبيعي لا علاقة له بسلاح ذي دور إقليمي موجه إلى صدور اللبنانيين، بل بمطالب المواطنين الطامحين إلى أن يكون بلدهم أفضل، كذلك ظروف حياتهم.
لا اعتراض على ما طرحه الحزب. لكنّ السؤال هل يستطيع أن يكون حزبا لبنانيا يهتمّ برفاه الشعب اللبناني ومستقبله ومستقبل الشباب في البلد… بدل أن يكون الشاب اللبناني وقودا في حرب تدور رحاها في سوريا وغير سوريا؟
ليست المشكلة مع “حزب الله” في البرنامج الانتخابي. المشكلة معه في مكان آخر. المشكلة في أنّه ميليشيا مذهبية مسلّحة مرتبطة بقرار غير لبناني. قرار الحزب إيراني، وهو لم يخف ذلك يوما.
ما الحاجة إذن إلى برنامج انتخابي وما شابه ذلك ما دام الحزب يستطيع تعطيل مجلس النوّاب إلى أن ينتخب رئيسا للجمهورية، هو الشخص الذي رشّحه الحزب. وضع الحزب البلد أمام الفراغ الرئاسي. وضعه عمليا بين خيارين. الفراغ أو مرشح الحزب. وهذا جعل اللبنانيين الحريصين على بلدهم وعلى مؤسسات الدولة يقبلون ما قرّره الحزب.
أخطر ما في الأمر يتمثّل في نجاح الحزب في وضع قاعدة جديدة، لا علاقة لها بالديمقراطية، لانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان وهو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة كلّها الممتدة من إندونيسيا إلى شمال أفريقيا.
على الرغم من ذلك كلّه، يشكّل طرح الحزب لبرنامج انتخابي حدثا في حدّ ذاته بالنسبة إلى فريق لا يؤمن بلبنان. فريق يعتبر نفسه جزءا لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يقوم على الاستثمار في الغرائز المذهبية والبحث عن مبررات كي تبقى الدولة اللبنانية أسيرة السلاح غير الشرعي. هذا السلاح الذي فرض نفسه على البلد فرضا في العام 1969 لدى التوصل إلى اتفاق مشؤوم اسمه اتفاق القاهرة.
ما يشكو منه “حزب الله”، بدءا بالفساد هو ما يشكو منه اللبنانيون. الفارق أن اللبنانيين يعرفون تماما أن لا مجال لأيّ حرب على الفساد ما دام هناك سلاح غير شرعي يفرض قانونا انتخابيا مثل ذلك الذي ستجري على أساسه الانتخابات المقرّرة في السادس من أيار – مايو المقبل. في بلد يحكمه سلاح غير شرعي، يصبح الفساد من باب تحصيل الحاصل ليس إلا. من لا يقيم اعتبارا للحدود الدولية للبنان ويخوض حربا على الشعب السوري بمشاركة روسيا وإيران، إنما يجعل مسألة الفساد مجرّد وجهة نظر قابلة للنقاش.
باختصار شديد، لا معنى لأي برنامج انتخابي ما دام لبنان يعاني من سلاح غير شرعي لا علاقة له من قريب أو بعيد بمصلحة البلد والمواطن العادي الطامح إلى أن يضمن مستقبلا لأولاده في لبنان. في ظلّ سلاح “حزب الله”، الذي يريد تحرير فلسطين انطلاقا من لبنان والذي يرى في القُصير أو هذه البلدة السورية أو تلك الطريق الأقصر إلى القدس، لا تعود حاجة إلى برنامج انتخابي من أي نوع.
المضحك المبكي أن “حزب الله” تطرّق في برنامجه الانتخابي إلى كيفية عمل مؤسسات الدولة وإلى ضرورة مراعاة الشفافية. أي معنى للشفافية عندما يكون لبنان دويلة في دولة “حزب الله”. أي معنى لحزب يعتبر أن لديه رؤية اقتصادية لا علاقة لها بلبنان واللبنانيين. ليست الدعوة إلى مكافحة الفساد والهدر سوى محاولة واضحة لنقل النقاش إلى مكان آخر، أي إلى تفادي الذهاب إلى بحث جدّي في علّة العلل، أي في سلاح “حزب الله” الذي هو في أساس الأزمة التي يعيشها لبنان على كلّ المستويات.
ما يحاول "حزب الله" عمله هو التمهيد لانتخابات يمكن أن تمكنه من الحصول على الأكثرية البسيطة في مجلس النواب بما يسمح له بتمرير قوانين كثيرة
ذهب لبنان إلى حرب 2006 من دون موافقة الدولة. ماذا جنى من تلك الحرب غير الدمار؟ جنى انتصارا لـ“حزب الله” على لبنان. ما يعيشه لبنان في هذه الأيام هو من ذيول الهزيمة التي لحقت به صيف العام 2006.
كان الهدف من افتعال تلك الحرب التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. لم تنفع كلّ الارتكابات التي أقدم عليها الحزب في تغطية تلك الجريمة التي أخرجت القوات السورية من لبنان. كان لا بدّ من حرب تمكن إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية كي يقول “حزب الله” إنّه حقّق انتصارا. نعم، تحقّق هذا الانتصار على لبنان.
ما نشهده حاليا هو استكمال للحرب التي يتعرّض لها لبنان. لم يستطع الحزب الانتصار على اللبنانيين في انتخابات 2005 ولم يستطع الانتصار عليهم في انتخابات 2009 على الرغم من غزوتي بيروت والجبل في أيار – مايو 2008.
يأمل “حزب الله” في استكمال حرب 2006 في السنة 2018. هذا كلّ ما في الأمر. ليس طرح برنامج انتخابي سوى فصل آخر من الانقلاب الكبير الذي بدأ تنفيذه في المرحلة التي سبقت اغتيال رفيق الحريري. كانت محاولة اغتيال مروان حمادة في الأول من تشرين الأول – أكتوبر 2004 المقدّمة لاغتيال رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى التي تلته وصولا إلى اغتيال محمد شطح.
ما يحاول “حزب الله” عمله هذه الأيام هو التمهيد لانتخابات يمكن أن تمكّنه من الحصول على الأكثرية البسيطة في مجلس النوّاب بما يسمح له بتمرير قوانين كثيرة. يريد من اللبنانيين أن يبتلعوا منذ الآن ما يبدو أنهم مقبلون عليه.
الملفت أن الثنائي الشيعي يبدو الجهة الوحيدة في لبنان التي أعدت نفسها جيّدا للانتخابات النيابية. ليس مسموحا، مثلا، للشيخ عبّاس الجوهري أن يترشّح في بعلبك – الهرمل خشية أن يفلت نائب شيعي من “حزب الله”.
ببرنامج انتخابي أو من دون برنامج انتخابي لـ“حزب الله”، لا تبشّر مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها بالخير. لو كان “حزب الله” يفكّر فعلا في رفاه اللبنانيين، لكان وضع بعلبك والمنطقة المحيطة بها أفضل بكثير مما هو عليه الآن. ليس لدى الحزب ما يقدّمه غير الشعارات الكبيرة التي جعلت من بعلبك مدينة بائسة بدل أن تكون أحد المعالم السياحية على الصعيد العالمي وليس الشرق الأوسطي فقط.
لا ينتمي “حزب الله” الذي يحتمل أن يكون، مع حلفائه، صاحب الأكثرية في مجلس النوّاب المقبل إلى الأحزاب التي تسعى إلى بناء دولة حرّة وسيّدة ومزدهرة يهمها توفير الأمن والأمان لشعبها بمقدار ما أن هدفه أن يبقى لبنان مجرّد “ساحة”.
هناك مقاومة لبنانية لفكرة “الساحة” التي استخدمها الفلسطيني ثم السوري ويستخدمها حاليا الإيراني. لن يقدّم طرح “حزب الله” لبرنامجه الانتخابي شيئا.
لم يرتبط الحزب سوى بعملية تحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعي وعسكرة الطائفة الشيعية ووضعها في خدمة المشروع الإيراني. إنّه يطرح بكلّ بساطة أن يكون لبنان تجربة فاشلة أخرى على غرار ما هو العراق اليوم، حيث الميليشيات التابعة لإيران المسمّاة “الحشد الشعبي” هي الدولة لا أكثر ولا أقلّ.
المصدر : جريدة العرب