خير الله خير الله
يقول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون انّه "سيبذل كل ما يستطيع من اجل حوار بين واشنطن وطهران". الأكيد ان مثل هذا الكلام يدلّ على حسن نيّة فرنسية وعلى رغبة في توفير الاستقرار في المنطقة كلّها، في الخليج وفي منطقة المشرق العربي، خصوصا في لبنان. تبدو فرنسا، الحريصة على لبنان اكثر من معظم السياسيين اللبنانيين، وكأنّها تسعى الى جعل ايران تلعب دورا إيجابيا على الصعيد الإقليمي، علما انّ ليس ما يشير الى ان لديها نوعا من العلاقة الخاصة بإيران تسمح لها بالتوسط بينها وبين الولايات المتحدة. لكن السؤال الذي سيظلّ مطروحا هو الآتي: حوار إيراني – أميركي من اجل ماذا؟
لم تعتد أي جهة عربيّة في يوم من الايّام على ايران، لا في عهد الشاه ولا بعد سقوط الشاه ونظامه وقيام "الجمهورية الإسلامية" في العام 1979. ثمّة من سيردّ على هذا الكلام بانّ العراق باشر الحرب مع ايران في العام 1980. مثل هذا الكلام عن اعتداء عراقي على ايران بعيد عن الحقيقة لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان صدّام حسين، الذي كان وقتذاك رئيسا للعراق، ردّ بطريقته على ايران. كانت طريقته الا تخلو من قصر النظر. لكنّ الوقائع تثبت انّ العراق ردّ، وقتذاك، على استفزازات إيرانية وتحرّشات من كلّ نوع لا هدف لها سوى اسقاط النظام في بغداد. صحيح ان صدّام ليس خبيرا في السياسات الدولية والإقليمية، وهو مجرّد ريفي نقل قيمه الى مدينة عريقة مثل بغداد، لكن الصحيح أيضا انّه وقع في الفخّ الإيراني عندما اخذ مبادرة الهجوم في حرب ارادت طهران ان تطول لثماني سنوات.
لا يمكن تبرير ما قام به صدّام، لكنّ ما لا يمكن تجاهله انّه منذ اللحظة التي سقط فيها الشاه وعاد آية الله الخميني الى طهران، لم تتوقّف ايران عن ابداء الرغبة في تصدير ثورتها الى خارج أراضيها، أي الى الدول العربيّة. هذا ما حصل في ثمانينات القرن الماضي. وهذا ما لا يزال يحصل الى اليوم.
ما الذي يستطيع رئيس فرنسي عمله لجعل ايران تتعقّل وتتصرّف كدولة على استعداد للاهتمام بنفسها اوّلا وتأمين الرفاه والخبز لشعبها ثانيا وأخيرا؟ يختزل مثل هذا السؤال التحدي الذي يواجه الإدارة الأميركية الجديدة التي يبدو واضحا انّها تختلف كلّيا عن إدارة دونالد ترامب في مجالات عدّة. في مقدّم هذه المجالات التعاون مع أوروبا، خصوصا مع فرنسا في شأن ملفّات عدّة من بينها سلوك ايران والاتفاق في شأن ملفّها النووي الذي تريد العودة اليه بشروطها.
كان لافتا خلو الخطاب الاخير لجو بايدن، وهو الاوّل له عن السياسة الخارجية التي ستتبعها ادارته، من أي إشارة الى الملفّ النووي الإيراني. يوحي ذلك بان الرئيس الأميركي وادارته ما زالا في صدد بلورة موقف موحّد مع أوروبا من هذا الملفّ في اطار مشاورات مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا على مستوى وزراء الخارجية. قد تكون هناك حاجة الى وقت قبل معرفة الى ايّ حد ستكون هناك سياسية إيرانية متماسكة تجاه ايران.
في نهاية المطاف، الكرة في الملعب الإيراني حتّى لو بدا انّ هناك تغييرا اميركيا على صعيد السياسة الخارجية. يظلّ افضل تعبير عن هذا التغيير الموقف من اليمن ومن "الكارثة الانسانية" فيه. كانت الترجمة العملية للتغيّر الاميركي الموقف من المملكة العربية السعودية ومن حملتها العسكرية في اليمن. استوعبت السعودية الموقف الأميركي المعترض من زاوية انّها تتعرض لعدوان مصدره اليمن وان هدفها وقف هذا العدوان الذي تقف وراءه ايران. مثل هذا الموقف السعودي منطقي الى حدّ كبير، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار مقدمات "عاصفة الحزم" التي انطلقت في آذار – مارس من العام 2015. قبل "عاصفة الحزم"، بدأ الحوثيون يجعلون، مباشرة بعد سيطرتهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014، مناطق معيّنة في شمال اليمن قاعدة صواريخ إيرانية تستهدف اراضي الملكة.
ما الذي لدى فرنسا تضغط به على ايران بالتعاون مع بريطانيا وألمانيا وأميركا كي تفرج عن رهائنها العربية، بما في ذلك لبنان؟ هذا ليس واضحا، اقلّه الى الآن، لكنّ الأكيد ان ما تريده ايران واضح كلّ الوضوح وهو قبول دولي بدورها الإقليمي الذي ساهم الاميركيون في صنعه، خصوصا بعد العام 2003 عندما قررت إدارة جورج بوش الابن اجتياح العراق واسقاط النظام من دون تصوّر عملي للبديل.
تنجح إدارة بايدن او لا تنجح في تطبيق الشعار الذي رفعته عن عودة اميركا الى قيادة العالم، ليست تلك المسألة. المسألة، من دون تجاهل الخطر الصيني والعلاقة مع روسيا، هل ستكون هناك سياسة أميركية متكاملة ومتماسكة حيال ايران بالتعاون مع الأوروبيين؟ لم يطرح الرئيس الأميركي مثل هذه السياسة ولم يحدد الرئيس الفرنسي من اجل ماذا الحوار بين طهران وواشنطن. اكثر من ذلك، هل تقبل ايران الواقع المتمثل في ان العالم يرفض كلّيا امتلاكها سلاحا نوويا يهدّد دول المنطقة، بل يدخل المنطقة ودولا محددة فيها مثل السعودية ومصر وتركيا، في سباق نحو امتلاك السلاح النووي. إضافة الى ذلك كلّه ما الذي تنوي ايران عمله بصواريخها التي استهدفت ابقيق في السعودية في أيلول – سبتمبر 2019 ومطار عدن أواخر العام الماضي؟
توجد مشكلة إقليمية كبيرة اسمها ايران والنظام في ايران. هذا النظام الذي قام في العام 1979 يهرب من ازماته الداخلية الى خارج حدوده ويظنّ ان "الجمهورية الاسلاميّة" تمتلك ما تصدرّه الى المنطقة. كان يمكن حصر المشكلة بايران نفسها لولا تمددها الإقليمي وسيطرتها على بلدان عدّة، او محاولة السيطرة عليها، عبر ميليشياتها المذهبية التي دمّرت لبنان تدميرا كاملا.
لن يحلّ الحوار بين طهران وواشنطن، الذي يقترحه الرئيس الفرنسي ويعمل من اجله، أي مشكلة من ايّ نوع مع ايران في غياب إرادة أميركية في التعاطي مع الواقع. في غياب مثل هذه الإرادة، التي تنطلق من ان ايران تهيمن على لبنان وسوريا واليمن وتسعى الى استكمال هيمنتها على العراق، ستبقى جهود ايمانويل ماكرون مجرّد تمنيات من بينها التمنّي بتطبيع العلاقات الفرنسية - الايرانية. الدليل على ذلك أنّ كلّ ما فعله الرئيس الفرنسي في لبنان ومن اجل لبنان لم يؤد، على الرغم من مضيّ ستة اشهر، الى تشكيل حكومة في بلد يتحكّم بكل مفاصله "حزب الله"... أي ايران!